يزور الرئيس الأمريكي، جو بايدن، السعودية منتصف الشهر المقبل في أول زيارة له للمملكة، التي تعهد خلال حملته الانتخابية بجعلها دولة منبوذة.
تأتي رحلة بايدن وسط قراءات متباينة بين من يراها تنازلا عن ملفات كثيرة، أبرزها "مجال حقوق الإنسان"، وآخرين لم يستبعدوا استمرار الضغط الأمريكي لحمل المملكة على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل وإيران، وزيادة إنتاج النفط وقضايا أخرى.
بالإضافة إلى ملفات كثيرة ملتهبة في المنطقة، سيكون ملف الحرب في اليمن أيضا على رأس أجندة واشنطن بعد قرار تمديد الهدنة الأممية لمدة شهرين، والحديث عن استئناف المحادثات المباشرة بين السعودية والحوثيين.
وأكد مسؤولون أمريكيون على هذه المسألة، معتبرين أن إرساء أساس لحل سياسي للصراع في اليمن سيكون محورا رئيسيا في زيارة بايدن إلى دول المنطقة.
المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، السفيرة ليندا توماس غرينفيلد، قالت إنه على مدى الشهرين الماضيين شهد اليمن انخفاضا كبيرا في عدد الضحايا المدنيين وتحسين حرية الحركة ووصول المساعدات الإنسانية وزيادة الوصول إلى الوقود والسلع الأساسية.
لكن هذه رؤية واشنطن، أما كثير من اليمنيين فيعتبرون الهدنة من طرف واحد وهدنة للغارات الجوية والصواريخ الباليستية والطائرات الهجومية المسيّرة المتبادلة بين السعودية والحوثيين.
كما أنها عدت فرصة ثمينة للحوثيين لتعزيز قدراتهم العسكرية والصاروخية الذين لا يترددون بين فينة وأخرى عن التهديد باستئناف الهجمات.
وبالتالي، تتبين مساعي السلام على الطريقة الأمريكية بشكل واضح في بقاء مليشيا الحوثي مهددة للمنطقة.
في هذه الأثناء، كشفت وكالة "رويترز" عن مباحثات بين السعودية والحوثيين عن صيغة حل لأمن الحدود والعلاقات المستقبلية.
تأتي المحادثات استمرارا لجهود متقطعة بين الجانبين خلال الفترات الماضية.
ووفقا ل"رويترز"، ناقش الجانبان اتفاقا طويل المدى لأمن الحدود، إضافة إلى مخاوف الرياض المتعلقة بترسانة الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة المسلحة المستخدمة لتنفيذ هجمات على مواقع سعودية.
وفي هذا السياق، كان وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، كشف نهاية الشهر الماضي أن بلاده حققت بعض التقدم في المحادثات مع إيران لاستعادة العلاقات الثنائية.
ومنذ عام 2021، تستضيف العاصمة العراقية بغداد مباحثات بين إيران والسعودية، بهدف إنهاء القطيعة الممتدة منذ عام 2016، والتوصل إلى تفاهمات بينهما في عدة ملفات، أبرزها الحرب في اليمن.
كل هذه التحركات تأتي وسط دوامة أزمات لا يزال اليمنيون يعيشون جحيمها، هي الأسوأ على مستوى العالم.
ومن وسط ركام الحرب، التي أعلنتها السعودية لاستعادة الشرعية قبل سنوات، قادت أيضا عددا من المبادرات السياسية بهدف البحث عن حلول سياسية.
لم تثمر أي جهود سابقة في خفض مستوى التهديد، وعادة ما كانت النتائج تأتي بكوارث إضافية على حياة اليمنيين ومفاقمة معاناتهم على كل المستويات.
ويمكن الإشارة إلى آخر "الطبخات" المتمثلة في تأسيس المجلس الرئاسى الذي جمعت فيه الرياض توليفة سياسية متباينة وموازية للهندسة العسكرية على الأرض.
وفي ظل وضع كهذا، ثمة تساؤلات مسنودة بمؤشرات الواقع الملغوم بالمليشيات المتعددة، حول ما هية الحلول السياسية المنتظرة؟ وكيف يمكن أن يأتي الاستقرار للبلد مع بقاء مصادر التهديد والعمل على ديمومته؟
مخاوف السعودية، التي عبّرت عنها، تبدو واقعية أيضا بعد دفقات هجومية للصواريخ الباليستية والطائرات الهجومية، طالت أراضيها خلال الفترات الماضية.
ليس في وارد المليشيا التخلي عن هذا التفوق العسكري الذي أجبر الرياض على الرضوخ لمطالبها في التفاوض، ما يعني أنه مهما بدت سيناريوهات التقسيم المظلمة في اليمن، إلا أن تباعاتها ونتائجها لن تكون بعيدة عن أراضي المملكة.
وليست مساحة الحدود الشاسعة بين المملكة واليمن وحدها فقط هي من ستحتاج إلى التأمين.
استطاعت مليشيا الحوثي تطوير قدرات صاروخية تصل إلى تهديد مصادر الطاقة العالمية، ومن شأن عملية كهذه استدعاء المفاوض السعودي لتقديم مزيد من التنازلات في أي وقت.
كل المؤشرات تذهب إلى أن محاولة هروب السعودية من الساحة اليمنية ضمن صفقة تسوية أو "طبخة جديدة"، في ظل بقاء الأوضاع المضطربة والقابلة للتفجير في أي لحظة، ليست مشجّعة لسلام مستدام في المنطقة.
ويدرك اليمنيون جيدا أن طريق السلام مازال بعيدا جدا عن ساحتهم غير المهيأة لحلول الصفقات والمباحثات المحمولة بالأجندة المتعددة.