من الواضح أن اليمن باتت مسرحاً للعبث الإقليمي وأن المكونات اليمنية تحولت إلى أدوات بيد تلك القوى الإقليمية بما يعني أننا أمام حالة عبث ممنهجة على الساحة اليمنية وتتم برعاية أممية. والتوصيف الطبيعي للحالة اليمنية هذه أن اليمن اليوم يقع تحت سطوة أسوأ وصاية شهدها عبر تاريخه. فنحن وبلا مواربة تحكمنا إرادة الأشقاء في السعودية سواء في المناطق التي تسيطر عليها الشرعية أو تلك التي تسيطر عليها المليشيات, قد يوافقني الكثير أن الرياض تتحكم بالشرعية. ولكن كيف تسيطر عليه مليشيات الحوثي, وتحقق السعودية عبر هذه المليشات إرادتها؟!. وهنا أقولها وأنا أستند إلى كل معطيات الواقع على الأرض.. إن الرياض هي من حالت ومنعت من إلحاق الهزيمة الاستراتيجية لجماعة الحوثي الإرهابية. فالحوثية لم تكن سابقاً ولا تمتلك حالياً أي مقومات للبقاء والاستمرار في العبث باليمن شعباً وإنساناً لولا رغبة السعودية وسياستها العرجاء التي نفخت الروح في هذه المليشيات ومكنتها من التواجد على الأرض وعززت مواقعها ومنحتها إرادة سياسية. ويسأل البعض كيف للشقيقة ذلك الموقف وهي التي تُقصف بنيتها الاقتصادية ومدنها بالصواريخ الإيرانية وهو مايعني تهديد وجودها كدولة! هذا أمر صحيح وفقاً لتقديراتنا الملامسة للواقع أو للظاهر .. لكن الأمر لدى الأشقاء غير ذلك بالاستناد إلى حالة العبث بالمشهد السياسي والعسكري لليمن الذي يكشف أن بقاء المليشيات الحوثية قد ارتهن بصناعة مليشيات أخرى في مناطق شمال الشمال مروراً بصناعة مليشيات بالجنوب وجنوب الجنوب وتلك أولوية في السياسة السعودية اشتغلت عليها بإتفان وإخلاص عجيبين. بمعنى أن إضعاف الدولة اليمنية الشرعية وإحلال المليشيات بدلا عنها هو الواقع الذي تنفذه الشقيقة السعودية.. ولا ننسى هنا استحضار الأدوار السلبية لدول خليجية أخرى لا أستثني من منظومة دول الخليج سوى دولة الكويت, فسائر تلك الدول لها بصمات سيئة مهددة لوحدة اليمن. وبالعودة إلى الموضوع الأهم وهو أن اليمن اليوم أصبح تحت سطوة إرادة التحالف «الرياض» الأكثر نفوذاً وتأثيراً. وهنا علينا أن نسأل: كيف ترى الرياض مستقبل اليمن؟ ولماذا أسقطت الرياض الرئيس هادي رغم أنه كان من أكثر الرؤساء إخلاصاً وصدقاً مع الرياض ؟!. فحين كان الرئيس هادي يؤكد تمسكه بالرياض رافضاً كل الضغوطات التي تعرّض لها لتوسيع دائرة التحالفات الإقليمية لليمن، كانت الرياض تؤكد يوماً بعد يوم وعاماً بعد عام أنها تعمل على تفكيك منظومة القوة للرئيس هادي. وحقيقة لقد نجحت السعودية في تحويل الرئيس هادي من قائد معركة تحرير اليمن من عصابات إيران إلى مشكلة عميقة وعقبة كبيرة أعاقت عملية التحرير ، هذا عزز قناعات القوى السياسية وترسخ لديها أن الإطاحة بالرئيس هادي بداية لإصلاح مسار معركة التحرير كما أوعزت بذلك الرياض, غير أن الواقع ومعطياته وما سيسجله التاريخ أن الرئيس هادي رغم اعتراضاتنا على نهجه السياسي تعرض لأبشع الخيانات من قبل الحلفاء. ومن غير المنطقي أو المقبول أن يتم الإطاحة به بطريقة لا تخلو من التجبر ويجازى بجزاء ( سنمار) من قبل حليف استراتيجي في معركة وجودية لم تراعِ في حقه حتى آداب الضيافة كونه مقيماً في عاصمة الحليف. ولا يقف الأمر عند ذلك بل يذهب الحليف إلى اختيار البديل كما يحلو له ورغم مرارة تقبل ذلك.. قبل الجميع مجاراة الشقيقة وشرعنة إرادتها تحت مسوغات وحدة الصف ووعود تلقتها أغلب القوى السياسية منفردة من الجانب السعودي، أن مرحلة ما بعد الرئيس هادي هى مرحلة وحدة الصف توحيد الجبهات دعم الاقتصاد وإنقاذ العملة دمج الوحدات المسلحة في وزارة الدفاع، عودة مؤسسات الدولة ، تهيئة عدن لتكون منطلقاً لتحرير الشمال ، فك الحصار عن تعز، دعم الجيش في مأرب. قال لي أحد القيادات الرفيعة: حين التقينا بالأمير خالد بن سلمان بعد توقيع الرئيس هادي على قرار التفويض ، سألناه سؤالاً: ما الذي تريدونه بالضبط أبلغونا, أنتم اليوم المتحكمين بالقرار السياسي والعسكري, ما الذي تريدونه؟.. وفقاً لكلامهم كان رد الأمير خالد بن سلمان وعوداً أرضاهم بها كان مختصرها أن الوقت حان لدخول صنعاء سلماً أو حرباً وأن تفرق اليمنيين الذي تسبب هادي به قد انتهى وأصبح من الماضي. وحين سئل الأمير خالد كيف أقنع الرئيس هادي على توقيع التفويض كان رده : أنا نفسي أتساءل مثلكم. وواقع الحال يؤكد أن المشهد يزداد خطورة ويؤكد لنا أن المرحلة القادمة وفقاً لقراءة متبصرة لإرادة الأشقاء المتحكمين في المشهد اليمن سياسياً وعسكرياً واقتصادياً يؤكد أن القادم ليس سلاماً كما أنه ليس مرحلة حسم معركة عسكرية. ربما يذهب البعض إلى أنني متشائم.. أقول لهم نعم متشائم إذا استمرينا في سياسة الرضا باستلابنا حقنا في إدارة المعركة, وإذا استمرينا في سياسة تقديم التنازلات التي تهزمنا استراتيجياً من الناحية العسكرية والسياسية .. أقولها بوضوح وأرفض أن تستمر علاقة الشرعية بالتحالف والشقيقة السعودية علاقة التابع بالمتبوع واستلاب الإرادة بل يجب إصلاح ذلك الخلل .. ليس من العيب أن نقبل من الأشقاء كل ما يرون أنه يخدم مصالحهم وأمن بلادهم في اليمن.. ولكن أن يكون ذلك بثمن التخلي عن وجودنا ومستقبلنا وحياتنا وحريتنا فهذا ما لانقبله. نحن منذ انطلاق عاصفة الحزم كان لنا محددات واضحة, تحرير العاصمة صنعاء وهزيمة النفوذ الإيراني, تلك المحددات التي قبل اليمنيون من أجل تحقيقها تدخل التحالف .. ومن أجل تلك المحددات نقولها وبوضوح: سنقبل كل ما يريده الأشقاء ولكن أن يكون الثمن واضحاً وأن يكون الدفع (فوري) لايقبل التأجيل, تحرير صنعاء واستعادة الدولة وهزيمة المشروع الإيراني . والمواربة والمداهنة وحالة الصمت واستمرار الاستسلام لمتطلبات وإملاءات الأشقاء دون ثمن في اعتقادي يقيناً أن ذلك يعني مزيداً من شرعنة واقع النفوذ الإيراني ومنح مليشياته مزيداً من الوقت للتنكيل باليمن أرضاً وإنساناً, منحه وقتًا أطول للقتل والتشريد وتدمير حاضر ومستقبل هذا الوطن. لذلك لا مجال ولا خيار سوى رفض سياسة الأشقاء التي تعزز وجود المليشيات وتضيّق وجود الدولة ومؤسساتها. أكررها وأناشد الجميع أن يرفعوا أصواتهم (أهلاً بالأشقاء كشركاء في معركة هزيمة إيران ومليشياتها في اليمن) ورفضاً لسياسة الأشقاء التي تدفن أحلام اليمنيين باستعادة دولتهم وتحرير عاصمتهم . لا لشرعنة المليشيات.. نعم لدمج جميع التشكيلات المسلحة في هيكلة الدفاع والأمن .. ختاماً أعيدها تكراراً دون كلل أو ملل: خذوا من الأشقاء كل مايريدون وضعوا على الطاولة أماهم (صنعاء) ودونها لا مصالح لكم في اليمن. صنعاء قبلتنا ومن يحرف مسارنا عنها.. بالمؤكد هو عدو لنا كائناً من كان. ولابد من صنعاء وإن طال السفر ..