كغيري ممن عرف عن قرب الأستاذ والمعلم : علوان الشيباني .. تفاجأت بخبر وفاته ، وكأني لم أرد ان أصدقه مع إني كنت أعرف معاناته مؤخرا مع المرض !!
وبالرغم من أني مؤمن كل الإيمان بأن الموت حق وإن { لكل أجلٍِ كتاب } وبأنا جميعاً مفارقون وإلى ربنا راجعون !! ولكن هناك صنف من البشر تود لو أنهم لا يرحلون عنا .. تود لو أنهم باقون ومخلدون !! بل تود لو يسبق أجلك أجلهم ، من شدة حبك وإعجابك بهم وحزنك عليهم وتقديرك لهم !!، و علوان شيباني .. على رأسهم بالنسبة للكثيرين !!
عملت مع استاذي ومعلمي علوان .. لمدة ثلاثين عاماً تعلمت منه دروساً لا تنسى .. ومواقف لا تعد ولا تحصى !!
- دروسا لن تجدها في كتب الدراسة في الجامعات ..
- دروس من تجاربه الشخصية في الحياة ومن رحم المعاناة !!
هو كنزٌ معرفيّ لا ينضب ، وعين سلسبيل لا ترتوي منها مهما تشرب !!
- كان مثالا للنشاط والحيوية ، والفكر المبدع والخلاق .. والبساطة في الحياة ، والرقي في التعامل مع الغير !!
- كان يبدأ يومه بعد صلاة الفجر لمراجعة " سيل " البريد من الرسائل والتقارير التي لم يسعفه الوقت أثناء الدوام الرسمي بالاطلاع والرد عليها ..
- كان رحمه الله يرد على كل رسالة ترده ، وكان يعلق على كل فقرةٍ من تقرير منك طلبه ليقرأه !!
▪️لم يكن يهمل أي رسالة من اي شخص مهما كانت مكانته ومهما صغرت منزلته !!
- كانت نصف الرسائل تطلب منه يد العون لسد رمق فقير أو قضاء حاجةٍ لمسكين ، أو إعانةٍ لأرملة أو يتيم ..
لذلك فأكثر الباكون عليه اليوم هم من كانت يد الخير تصلهم وبالعطف تحتويه .. وأصابع الرحمة تشفي أوجاعهم وتمسح عنهم دموعهم وتخفف من آلامهم وأحزانهم !!
▪️ولكثرة هذه الرسائل تم إنشاءه ( لمؤسسة الخير ) لإستيعاب العمل الخيري وعلى رأس تلك الأعمال تقديم المنح الدراسية للطلبة المتفوقين ، وكذا من طبقة المعوزين والمهمشين الذين احتواهم هذا الإنسان بكل الرعاية والحب ليكونوا فئة فاعلة ومنتجة في هذا المجتمع !!
جزءٌ يسير من بحر غزير ..
كنت خلال الثلاثين سنة أجاهد نفسي لأن اسبقه في الدوام ولم استطع !!
- فقد كان يسبق الكل في الحضور إلى مقر الشركة قبل ابتداء الدوام بساعة على الاقل ، حتى كنت وبعضاً من زملائي المدراء ، وحتى بقية الموظفين ، عندما نصل في وقت الدوام ، نشعر بأنا كنا متأخرين فعلآ عن الحضور ، رغم وصولنا " على الوقت فتعلمنا الانضباط!
▪️طوال ثلاثين عام - قبل تقاعدي - لم أغلق باب غرفتي عندما كنت مديرا عاما للسفريات الا في حال الإجتماع مع مدراء الإدارات والفروع التابعة لي أو لطلب موظف لديه " امر خاص " !!
درسٌ تعلّمته منه في اول مشوار حياتي ، عندما كان مكتبي بجوار مكتبه ، في شارع سيف بن ذي يزن في بداية المشوار، فلم يكن بابه ابدآ مغلقا !! تعلمت منه الصبر. .. تعلمت منه كظم الغيظ .. عشقت فيه حب المغامرة في فتح آفاق جديدة !!
▪️كنا نعارض بعضاً من قراراته لنكتشف في الأخير سعة أَفقه وبعد نظره !!
- صحيح كانت هناك إخفاقات ولكن النجاح كان حليف الأكثرية من قرارات هذا الرجل العظيم ..
- لذلك لا عجب أن يرحل وقد خلف من وراءه اكثر من عشرين شركة يديرها اليوم رجال مخلصون وطموحون ويفكرون أيضا في المزيد مهما كانت صعوبة الظروف المحيطة بهم .
▪️كانت الإبتسامة لا تفارق محيا هذا الرجل ، حتى وإن كان في أحلك الظروف واتعسها !
فبشاشة وجههه وصدق إبتسامته هي الأثر الذي يتركه فيك بعد أن تفارقه ، سواءً كنت في حديث معه ، أو لأول مرة تتشرف بمعرفته !!
- كم مرّ بظروفٍ قاسية كادت شركاته أن تغلق أبوابها - لو كان يديرها شخص آخر - لكن حكمته وحسن تصرفه ، وقبل كل ذلك إعانة الله له بفضل حبه لعمل الخير ، كانت تغير بوصلة الضيق إلى نافذة جديدة تشع من خلالها خيوط الأمل والنجاح !!
▪️علوان الشيباني .. لم يكن رجلا عادياً ، لم يكن مديرا نمطياً ، كان منهلا وشعاع علم وخبرة ومعرفة وطموح يسابق الريح !!
- كان بسيطا في ملبسه ، متواضعا في خلقه ، مؤدبا في حديثه ، فكان لابد أن يترك فيك أثراً لا يمكن محوه !!
- كان هذا الرجل يغرس فينا حب العمل والإبداع الخلاق والإنتماء لصرح العالمية ليل نهار دون كلل أو ملل و بكل حب و أريحية !!
أتذكر بإختصار شديد .. في بداية التسعينات أن أحترق جزء كبير من فرع السفريات التابع لنا في الحديدة ، فطلب مني النزول لتفقد الأحوال ورفع تقرير عن الزيارة .. وعندما وصلت إلى فرع شركتنا ، بادرت ومدير الفرع وبقية الموظفين في تنظيف جدران وأرضية المكتب وتبديل الأثاث المحترق ، ليعود العمل في الفرع في أسرع وقت ممكن .. حتى لا نخسر عملائنا الدائمين .
وحين كنا نعمل فوجئنا بزيارة العم : عبد الواسع هايل سعيد انعم .. الذي صادف تواجده في الحديدة للإطمئنان عنا و مواساتنا ..
- وعندما رآني وكان يعرف بأني مدير عام السفريات وبرفقتي مدير الفرع وبقية الموظفين نعمل بأيدينا لإزالة آثار الحريق وغسل أرضية المكتب بهمة ونشاط، شدّ على أيادينا وقال :
( الأخ : علوان عرف يربي .. فلا غرابة إن نراه هكذا ناجحا.. وسينجح !! ) .
هذه الكلمات لا تزال ترنّ في أذني بعد كل النجاحات التي حققها هذا الرجل العظيم ، الذي خلق في كل موظف من صغيرنا إلى كبيرنا روح الإنتماء لبناء صرح " العالمية " الذي اليوم يعتبر من أقوى الصروح متحدياً كل الصعاب والتحديات !!
▪️هناك الكثير والكثير من الذكريات التي تزخر بها الذاكرة للمواقف الإنسانية لهذا الرجل العظيم ، الذي كان مثالا للتواضع الجم ، والصدق في الحديث ، والوقوف مع كل من خدمه بإخلاص وصدق و تفاني ..
- ولكن كم سنكتب و كم سنتذكر !!
رحلت اليوم عنا جسداً - استاذي و معلمي وقدوة الكثيرين - ولكن روحك الجميلة الخالدة ستظل سامقة و ظافية ترفرف بجناحيها فوق رأس كل مسكين ساعدته ، وفي جنبات خد كل يتيم مسحت دمعته ، وعلى كتف كل فقير طبطبت على كتفه ، وفي نفس كل مقبل على الزواج أعنته .. وفي خلد كل موظف احتضنته و رعيته حتى كبرته !!
- سنظل نبكيك كلما تذكرنا ..
- سنظل نحزن كلما نستيقظ ونعلم بأنك رحلت عنا ..
- سنظل نتذكرك في كل موقف خاص احتجنا لك فيه فأعنتنا ..
- سنظل .. ونظل .. و .. نظل نحيي ذكراك وسيرتك العطرة في كل مرة يأتي فيها إسمك على السنة اللاهجين لذكرك .. فأمثالك من الرجال العظماء لا يكررون .. و أمثالك من الرجال المخلصين نادرون .. و أمثالك من المعلمين المخلصين لا يٌنسون وفي قلوب من أحبوه لا يموتون !!
فأمثالك يظلوا خالدون !!