مازالت النخب اليمنية تنتج مزيد من الأزمات على طريق الإنهيار الإجتماعي والإقتصادي، فهي منساقة وراء تحسين وضعها الإقتصادي، عوضا عن تقديم رؤى وتصورات للخروج من حالة الحرب ومخلفاتها الكارثية على المجتمع وإعادة بناء مؤسسات الدولة والمجتمع. أذهلتني فكرة الثمانية الرئاسية ولجنة التشاور والتصالح التي طرحت في مطلع الستينيات من القرن العشرين، على جزء من الصف الجمهوري المعارض للتواجد المصري في صنعاء الذي ذهب الى الرياض لغرض التصالح مع الملكيين.
والغريب انه بعد مضي أكثر من ستة عقود على هذه الرؤية للمملكة العربية السعودية، مازالت تلمع من بين الأدراج، ربما وراءها رؤية تحقق أفضل الطرق لأحتواء النخب ، بدلا من النظام الجمهوري الذي يقترب أو يبتعد من نظام الإحتواء وفقا لهوى الرئيس وقدراته على المراوغة أو الانصياع.
وليست المشكلة في إخراج مشروع قديم من الأدراج الى الواقع ، لتحقيق علاقة مستقرة مع الإقليم بشكل عام والمملكة بشكل خاص ، المشكلة هي في النخب التي لم تنتج مشروعا موازيا، وذهبت النخب السياسية تحديدا الى التضحية بكل قيم الجمهورية والتنمية والديمقراطية طمعا في الحصول على مواقع في الوضع الذي يلي الحرب وما بعد هادي.
تبدو الأحزاب السياسية وقد تشتت قواعدها في الداخل ومع الحوثي انها عاجزة على تقديم أي حل، عوضا عن أستقلالها عن النظام الرئاسي وملئ مواقعها في النظام السياسي عبر الأستناد الى عمل مدني جماهيري يجعل من صوتها قويا يصعب تجاوزه .
يعلم السعوديون ان النخب اليمنية التي انهكتها الحرب وفقدت مدخراتها بسبب اقتصاد الحرب وإثراء فئات طفيلية جديدة أصبحت جزء من النخب والتي تقدم مصلحتها النفعية على ماعداها،وربما دفعت بها الاحداث الى مواقع الصدارة بسبب الفساد الذي تغول في سنى الحرب أصبح هو المحرك لمصالح النخب المختلفة وأولها الأحزاب السياسية التي باتت تغلف المشهد السياسي بمصالح الاقليم بدلا من موائمتها مع المصالح الوطنية .
وفي حين تخلت الأحزاب السياسية عن مشروع العمل لتصحيح مواقع الخلل في الشرعية وحدد مناطق حساسة في الخارجية والجيش يجب اخراجها من دائرة الفساد عبر منظومة اجراءات لأعطاء الاولوية للقانون والدستور واحترام مؤسسات الدولة وتنقيتها من عناصر الفساد، الا ان الاحزاب سرعان ماتخلت عن برنامجها هدا لتنظم الى حكومة اتفاق الرياض دون ان تطلب تنفيذ البرنامج شرطا للمشاركة. وفكرة المشاركة في الحكومات بأي ثمن فكرة تطبع ماضي المعارضة منذ زمن بعيد، إذ الأصل هنا ايش البرنامج السياسي، بل نصيبها من معمعة الحكومة الذي يعني الفساد في أبشع صوره.
لكن الجهات القائمة على المشاورات في الرياض تدرك هذا التهافت المريب على المناصب لدى الأحزاب بدلا من البرنامج السياسي للاصلاحات، فجعلت الأحزاب السياسية سلما ليس للتغيير بل لتمرير مصالح الدول الاقليمية من خلال احتوائها في لجنة التشاور والتصالح. والحقيقية ان هذه الهيئة لطريقة عملها أو من خلال تشكيل رئاستها هي الأداة الفاعلة التي تتحقق من خلالها المصالح أكثر من مجلس رئاسي لايعدو عن كونه هيئة اركان حرب.
هيئة التشاور والتصالح هي الهيئة التي ستكون المقبرة الأخيرة لما تبقى من اشلاء احزاب ظلت تنفخ في نفسها حتى تبخرت في الهواء. هيئة تظم ممثلين للأحزاب بواجهة غير حزبية . تلك هي آخر مراحل انهيار النظام التعددي الديمقراطي وأحد أهم المكتسبات النبيلة للوحدة اليمنية.
وإذا اعتقدت الاحزاب السياسية انها دخلت منعطفات التغيير السلبي منتصرة وامها مازالت تمثل رقما مهما في المشهد السياسي الحالي فهي مخطئة، والنظام السياسي الخليجي يرى في الاحزاب خطرا داهما، وفي المظاهرات والسلاح خطرا يهدد مستقبل الخليج المستقر منذ سنوات ، ولذلك يعتقد بعض الأحزاب والكيانات المملشنة انها ذات حظوة لدى النظام الخليجي، انها أهداف تكتيكية يجب ان لايتجاوز خرابها حدود اليمن. وان السيطرة عليها مهم جدا للتمكن من ازاحتها بتكاليف أقل.
كل هذا المهرجان لإخراج مشهد قديم لم يتحقق بسبب قوة الجمهوريين الذين كانوا على الارض، ولكنه يتحقق اليوم وان شكليا، بسبب تهافت النخب وفسادها الذي صار كارثةتوازي كارثة الحرب.
*نقلا عن صفحة الكاتب في فيسبوك.