تنطلق في السابع والعشرين من مارس في العاصمة الرياض مشاورات يمنية ، بمبادرة من مجلس التعاون الخليجي بهدف وقف الحرب وتسوية النزاع ، ومن التسمية يتضح لنا أن التشاور لا يكون إلا بين المؤسسات الرسمية ، كمجلس النواب والشورى والأحزاب والقوى السياسية ، لكن حشد 500 لهذه المشاورات بدد الآمال بحصول تقدم ملموس ، إضافة إلى عدم وجود أجندة واضحة لهذه المشاورات ، بما يرجح تكهنات كثيرة تذهب إلى أن الهدف من هذا اللقاء الموسع هو تصفية الشرعية القائمة وإحلال الشرعيات المتعددة على الأرض .
والسؤال الذي يطرح نفسه : لماذا تصر المملكة العربية السعودية على إنهاء الشرعية مع أن مصلحتها بوجود يمن مستقر ومزدهر ومتوازن سياسيا ، خاصة وأن البديل هو الفوضى والمليشيات التابعة لإيران ؟
وهل تدرك المملكة أن تصفية الشرعية سيجعلها مرغمة على التعامل مع كارثة يمنية ستكبدها أثمانا أكثر بكثير مما هو ضروري .
من المعلوم أن للمملكة مصلحة استراتيجية في اليمن من أجل مواجهة مساعي إيران الرامية إلى محاصرة المملكة من الجنوب ، وسيترتب عن تخلي المملكة عن الاستقرار في اليمن لصالح الإيرانيين ، تداعيات تتخطى الحدود اليمنية .
إن المسألة الأصعب في تنظيم علاقات استراجية مجدية بين المملكة واليمن وتكون دائمة بينهما ، هي ما يرغب به اليمنيون لبلادهم ، فاليمن الآن دولة منقسمة إلى حد كبير بسبب عدم استقرار سياسة المملكة تجاه اليمن ، وهذا جعل اليمن تشهد عدم استقرار على الصعيد السياسي والاقتصادي وحتى على مستوى الحكم ، ناهيك عن الانقسامات بين القوى السياسية وكل ذلك يعد عاملا رئيسيا في الشلل السياسي الذي تشهده اليمن .
ما يتوقعه المتفائلون من هذه المشاورات هو إصرار المملكة على خلق استقرار سياسي مستدام يجلب الازدهار لليمن ويعزز شرعية الحكومة ويأتي إلى السلطة بسياسيين يمنيين يخدمون الشعب الذي هو مصدر قوتهم السياسية ، وبدون ذلك فإن اليمن لن تستطيع أن تكون دولة فعالة تسير شؤونها كما أنها ستصبح مصدر تهديد للمملكة والمنطقة .
أما المتشائمون ، فيذهبون إلى أن دعوة مجلس التعاون الخليجي ل 500 من اليمنيين ، فهي تكرس بذلك النظام الزبائني والهدف من ذلك منح أشخاص سلطات خارج سلطة الشرعية والانتقال من شرعية واحدة أمام المجتمع الدولي إلى شرعيات متعددة موجودة بقوة السلاح وليس بالإرادة الشعبية .
لم تعد اليمن بحاجة إلى إقدام المملكة على مفاقمة هذه الجوانب من أزماته الراهنة ، ويحتاج هذا البلد إلى أساس متين من أجل المضي قدما وخلق مستقبل له وللمنطقة ، وأي تجاوز للشرعية الدستورية في اليمن سيكلف اليمن والمملكة ثمنا باهضا وسيؤدي إلى مجموعة من التداعيات السلبية على المملكة تحديدا ، لأنه سيعزز النفوذ الإيراني .
وبعيدا عن المملكة ، فإن المدعوين إلى هذه المشاورات مطلوب منهم أن يقدموا نموذجا سياسيا لايستند إلى الهويات المناطقية ، لكن حجم المدعوين ونوعيتهم يؤكد أن اليمن تدفع نحو إخفاق سياسي واقتصادي وتعزيز الهويات ما دون الوطنية على حساب الهوية الوطنية الجامعة ، ومن هنا تصبح المؤامرات هي الثابت في هذه المشاورات والمشاورات هي الاستثناء .