يجلس المواطن اليمني بين أنصار ثورة فبراير وخصومها الذين تتسع الهوة بينهم كلما زاد مرور الوقت ، فالطرفان منشغلان كل منهما بكيل الاتهامات للآخر ، ومأساة البلاد تتسع كل يوم ولا يرى في المدى المنظور أن هناك حلولا قريبة قادرة على وضع اليمنيين في بر الأمان .
لم يفوت حميد الأحمر مناسبة 11 فبراير ، ليحمل المؤامرة فشل تلك الثورة ، وقال إن ذلك هو ما دفعه للاحتفاء بها والتأكيد على سمو أهدافها وصدق أحرارها ونبل القيم التي أحيتها في النفوس ، بينما يحي صالح قال ، إنه رغم انشغاله لكنه فضل ألا ينتهي هذا اليوم قبل أن يهين كرامة أصحاب هذه الثورة ، لكنه استدرك قائلا ، إنه يحي الذين تابوا بالرغم من أن هذه التوبة لن تعيد الوطن .
حميد لا ينتصر لفبرير وإنما ينتصر لسلطته ، لأنه يدرك مالذي جناه اليمنيون منذ العام 2011 وحتى الآن ، ويحي صالح لا ينتصر للدولة بقدر ما ينتصر لسلطته لأنه يدرك أن الدولة لم تعد قائمة ، فكلاهما تعاركا على جثة السلطة لمعرفة كل منهما أن من يظفر بالسلطة يحوز على مصادر هائلة للثروة والقوة تمنحه قدرة هائلة على فرض سلطته وقمع وتدمير خصومه ، فلا حميد كان مع التغيير ولا يحي كان مع الدولة ، ولو كانوا مع الدولة والتغيير لكانوا اليوم يقاتلون في سبيلهما صفا واحدا .
والحديث عن حميد الأحمر ويحي صالح ، ليس من باب التعريض بهما ، بل كونهما يمثلان الوجه الحقيقي للصراع المستمر على السلطة بعيدا عن رغبة التغيير ، فكلاهما رجل أعمال يمتلك ثروة كبيرة جمعت من تقاسم الفساد في السلطة التي خرج عليها حميد أو التي يدافع عنها يحي ، لكن أيا منهما لم ينفق دولارا واحد لإقامة ثورة أو حتى مقاومة منظمة لمواجهة الحوثيين الذين اختطفوا ثورة حميد ودولة يحي .
حميد الأحمر يمثل الثورة التي احتضنت الحوثي في 2011 ويحي صالح يمثل الدولة التي أبرمت تحالفا مع الحوثي في 2014 ، كان يفترض أن ما تحقق على أرض الواقع من نتائج وما استقر عليه حال البلد تكفي جميعها لتغليب المصلحة الوطنية على أمور الفرقة ، بل إن أخطاء الماضي كان يفترض أن تكون قد نجحت في تنبيه الجميع إلى خطأ ما ارتكبوه في حق أنفسهم وفي حق الشعب اليمني .
أخلص إلى القول ، هل يستطيع حميد ويحي صالح أن يفعلاها قبل أن يغمضا عينيهما تائهين ويعتذرا للشعب اليمني ويصوبان اتجاه البوصلة في اتجاه تبني المصالحة لإنقاذ النظام الجمهوري وخلق ثورة حقيقية تنتصر لأصحاب التغيير ولأصحاب الدولة ، فالشتائم لا تبني نهضة ، كما أن عقلية الشتامين وعقلية المطبلين لا تبني أرضية متينة للمصالحة .
فأنا هنا لست محاكما لطرف أو مدافعا عن طرف آخر ، بقدر ما أريد تجاوز الماضي وتركه للتاريخ ، يقول كلمته فيه ، فنحن أمام عوائق عاطفية لدى أنصار فبراير وخصومه تجعلنا نسير في طريق مسدود ، ونحن بحاجة لأمثال حميد الأحمر ويحي صالح لكي ينفقوا على ثورة حقيقية جامعة لكل اليمنيين لمواجهة العدوان الداخلي ممثلا بالحوثي والعدوان الخارجي ممثلا بأي دولة تستهدف السيادة اليمنية .
أختم بالقول ، إننا بحاجة لأن نمتثل لتجربة نلسون مانديلا ورفاقه في جنوب أفريقيا الذين غلبوا المصالحة والتسامح وألا نستمر في احتذاء التجربة العراقية التي قامت على الاجتثاث الذي يوسع من ثقافة الكراهية ، وعلينا ألا نقف شاردين تائهين ننتظر حبل نجاة من السماء أو مشنقة ينصبها لنا العدو ، فإننا بذلك إنما نشنق أنفسنا .