أخيرا تسلم الدبلوماسي السويدي هانس غروند بيرغ مهامه كرابع مبعوث أممي إلى اليمن؛ في وقت تسجل فيه الأمم المتحدة تراجعات كبيرة في دورها لحساب اللاعبين الإقليميين والدوليين، ووسط تساؤلات بإمكانية نجاح هذا المبعوث بعد أن أخفق سلفه الذي كانت بريطانيا العظمى تضع كل إمكانياتها وثقلها خلف مهمته.
تنامى دور السويد التي ينتمي إليها المبعوث الجديد خلال السنوات الأربع الماضية من زمن الحرب، حيث تخلق هذا الدور في إطار قيادة مؤتمرات الاستجابة الإنسانية إلى جانب سويسرا، ثم تطور إلى استضافة مشاورات ستوكهولم في كانون الأول/ ديسمبر 2018 تحت وقع الضغوط الأمريكية للتوصل إلى حلول سياسية للصراع في اليمن، وتم تعيين مبعوث سويدي لليمن لمتابعة نتائج تلك المشاورات.
للوهلة الأولى يبدو الأفق مسدوداً أمام غروند بيرغ، بعد أن ازداد الصراع تعقيدا، وباتت الأطراف المسلحة التي تخوض المعارك ضد السلطة الشرعية أو من خارج مظلتها أكثر جرأة من ذي قبل، في تأكيد خيار الحرب والحرص على تحقيق المزيد من المكاسب الميدانية العسكرية والسياسية، استنادا إلى القوة المسلحة التي بحوزتها، بغض النظر عن النتائج الإنسانية الكارثية لهذه الحرب، على نحو ما نراه منذ عام تقريبا في محيط مدينة مأرب، حيث قُتل آلاف المسلحين لتحقيق هدف جماعة الحوثي في السيطرة على هذه المحافظة الغنية بالنفط، تقابلها المئات من القوات الحكومية.
الترحيب الأمريكي بتعيين المبعوث الأممي الرابع يشير إلى استمرار اهتمام واشنطن بمقاربة الحرب في اليمن بجدية أكثر وصولا إلى إنهاء الحرب، إلى جانب أنه يضع المهمة الأممية في إطار الأجندة الأمريكية.
فقد شدد بيان الخارجية الأمريكية بهذا الخصوص على وجود "إجماع إقليمي ودولي غير مسبوق على إنهاء الهجوم العسكري لجماعة الحوثي على مدينة مأرب"، وذلك يكشف بوضوح عن أن حرب الجماعة منذ نحو سبع سنوات لم تكن تواجه أية خطوط حمر، وهو أمر ساهم في مفاقمة الوضع الكارثي وتصاعد وتيرة الحرب وتشعبها وتشعب أهدافها.
ومع ذلك ثمة ما يعزز الشك بإمكانية نجاح المبعوث الأممي الجديد في المدى المنظور، خصوصا إذا لم يتحرك في إطار الثوابت الحاكمة لمسار الحل السياسي، التي تؤكد على المرجعية الدستورية والشرعية لسلطة الرئيس هادي، وعلى وحدة اليمن، وتتعامل مع انقلاب 21 أيلول/ سبتمبر 2014 على أنه تمرد يتعين إنهاؤه.
المبعوث الأمريكي تيموثي ليندر كينغ، وهو يتشابه مع نظيره الأممي الجديد من حيث امتلاكهما الخبرة ذاتها بشؤون منطقتنا، كان بوسعه أن ينجز شيئا في أعقاب جولاته المكوكية في المنطقة، ولكنه لم يفلح سوى في تحريك الأطراف الإقليمية في مهام وساطة متفرعة عن دوره.
ولعله من المؤسف أن يخفق المبعوث الأمريكي إلى اليمن في تحقيق إنجازات جوهرية أكثر من إلزام الرياض بإعلان مبادرتها لوقف إطلاق النار، والتي لم تلق أي استجابة من الحوثيين المدعومين من إيران.
هذا الإخفاق اعتبر مؤشرا سيئا للغاية، خصوصا وأن تعيين ليندر كينغ في منصبه كان قد شكل أحد العناوين البارزة للمرحلة الأمريكية الجديدة في ظل الرئيس الديمقراطي جو بايدن.
وما يزال على السيد ليندركينغ أن يستثمر هذا التحول الكبير في موقف بلاده حيال أزمة اليمن في تحقيق شيء ذي قيمة، رغم اصطدامه بتعنت الحوثيين من جهة، وتمرد المجلس الانتقالي الذي يشكل دوره تفريعة سيئة من مسار الأزمة اليمنية، استحدثها من يسمي نفسه تحالف دعم الشرعية ليمضي بالأزمة إلى نهايات تتفق مع أهدافه الجيوسياسية في اليمن.
لا أدري إن كانت الإدارة الأمريكية عازمة على منح المهمة الأممية الجديدة زخما من نوع ما. هذا في تقديري يعتمد على مدى استعداد واشنطن على المضي قدما في دعم خيارات أكثر دراماتيكية لإجبار الطرف الذي يعيق عملية السلام، حتى إن اقتضى الأمر استخدام القوة في إطار الإرادة الدولية الموحدة.
لكن أكثر ما أخشاه أن يتجه التفكير الأمريكي نحو الخيار الأسهل، وهو المضي أكثر في مسار تطويع ما تبقى من الشرعية للقبول بحلول تقوم على فكرة استحداث هياكل جديدة، مثل المجلس الرئاسي الذي تشير بعض التسريبات إلى أن واشنطن بدأت في طرحه بقوة ومعها الإمارات.
وضمن هذا التوجه قد يجري تدوير المهام في إطار هذه الشرعية، بحيث يصبح المتمردون هم الواجهة الجديدة للشرعية التي ستكون جاهزة لتحويل ما كانت عبارة عن شعارات مستفزة إلى حقائق على الأرض.
أتحدث هنا عن الانفصال وتفكيك الدولة اليمنية، وإعادة إحياء الإمامة الزيدية (الشيعية) الطائفية، بكل ما سينتج عنها من خراب مستدام في البنية الاجتماعية والثقافية، وما ستشكله من تهديد للحرية والكرامة وللسلام الاجتماعي المنشود.
لا حصانة للمشروع الوطني أمام ترتيبات خطيرة كهذه سوى أن يستعد اليمنيون لمواصلة المعركة؛ تأسيسا على قواعد اشتباك جديدة تُصعِّب المهامَ التي تبدو حتى الآن سهلة ويسيرة أمام المتدخلين الإقليميين والدوليين، وتوحد اليمنيين حول هدفهم المشترك في استعادة الدولة والكرامة.
*عربي 21