"وانا في الطريق الى عدن"، عنوان مقال كتبته اثر أول زيارة قمت بها إلى عدن في أحد أيام يوليو من العام 1988م بنتيجة اتفاق فتح الحدود بين الشطرين ، حين كاد الوضع أن ينفحر بين الشمال والجنوب ، بسبب الخلاف على تنقيب النفط في حقل جنات.
المقال ، عبارة عن عنقود صور ومشاهدات أمينة وصادقة عن توتر وانفراجة نطاق التماس الشطرية (قعطبة وسناح) .. عن واقع الضالع وألذ لحمة حنيذ أكلتها هناك ، وعن حلوى وقهوة الحوطة، وجِمال - بكسر الجيم - وعربيات الشيخ عثمان.
• عن ناس عدن الطيبين، وعبق البحر وبخور الشرق الفاخرة التي تخرج من شرفات بيوت الطويلة وتنبعث من بين الأزقة والحارات ..
• عن ابتسام الناس .. انبهارهم وابتهاجهم بتجربة فتح الحدود والسماح بالتنقل بالبطاقة الشخصية بين الشطرين.
• عن تناقضات المشهد وتقلبات الأحداث ..عن (عدن) ثغر البحر ووجه اليمن الصبوح ، التي كانت شوارعها فارغة وخربة ، ودكاكينها بين خاوية أو مغلقة .. عن الفندق الأجمل (عدن) الذي كان مدمرا ومهجورا .. وكان لايزال (حينها) يروي أحداث 86 المأساوية .
على مسئوليتي:
سلمت المقال لرئيس تحرير (الثورة) الأستاذ محمد الزبيدي (رحمه الله) ، الذي سلمه بدوره لمساعده أحمد حسين الأشول (رعاه الله) ، وحينما وجد الأخير أن فيه رأيا وجرأة لم يستحسنه ، فقال بلطفه المعهود:
- افضل ان تقرأوه انتم يا أستاذ محمد،
وقرأه الأستاذ الزبيدي فقال:
- يا ولد عبد الوهاب ما بش عندنا ضوء أخضر ، هذا كلام عيفجر لنا موقف..!!
قلت هذه مجرد مشاهدات ورأي ليس فيه تجن على الحقيقة ، أصريت على نشر المقال فوجه بتسليمه لأحمد الاكوع وكان مديرا للتحرير ، الذي بمجرد أن انتهى من قراءته قال: عبد الوهاب يا أستاذ محمد يشتي يودف بنا ، والله ماعدا احتبس إلا أنا وأنت..!!
عندما وجدت رفضا لنشره من قبل ثلاثتهم أخذت المقال وعرضته على رئيس مجلس الإدارة، وكان الأستاذ الزرقة بمقيله في الطابق الثالث كالمعتاد ، وبعد أن قرأه كتب على رأسه "ينشر ويكتب تحت العنوان "يتحمل الكاتب مسئولية النص والمحتوى" . وكان الزرقة (رحمه الله) مدافعا قويا عن صحافة الرأي والرأي الآخر.
ونشر المقال الذي أثار ردود فعل سياسية وإعلامية غاضبة ومرحبة في الجنوب الذي لم يكن إشتراكيا ، وفي الشمال الذي لم يكن رأسماليا .. كان الزميل علي الصراري من الغاضبين، فكتب في صحيفة (14 أكتوبر) حلقتين تحت عنوان (كلمات مخاتلة) .. كان فيها بعض التجني لكنها تضمنت محتوى وطنيا.
لقاء البيض:
بعد فترة قصيرة من كتابة المقال واتتني الفرصة لألتقي الاستاذ علي سالم البيض (اطال الله في عمره) في عدن ضمن وفد رسمي (شمالي) في مبنى اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي، وهو الأمين العام الأكثر قوة وصرامة في الحزب والدولة..
راشد محمد ثابت وزير شئون الوحدة (اطال الله في عمره)، الذي أصبح صديقا بعد أكثر من لقاء وأكثر من حديث في أكثر من مدينة وعاصمه .. قدمني للأمين العام بكوني "الصحفي المشاغب الذي كتب المقال عن عدن" ..
أرسل البيض ضحكته المعتادة التي تخفي وراءها صدقا ووضوحا، ثم قال:
"حماس الشباب".. وخاطبني بقوله "اكتبوا ماشئتم وعبروا عن ارائكم ..لكن لا تكونوا تزرعوا الشوك في الطريق"..!!، وكان يعني ما يقول .. فتسوية الطريق الى صنعاء كان قائما ، وكانت لي معه بعدها جلسة وحوار طويل نشر في مجلة (اليوم السابع)، التي كانت تصدر من باريس .. ولذلك قصة اخرى.