تقود السعودية في مأرب معركة جويّة كبيرة، أفصحت عنها مصادر ميدانية كثيرة، وتصريحات قيادات المليشيا الأخيرة.
تؤكد المصادر أن كثيرا من صرعى مليشيا الحوثي، حصدتهم الآلة الجويّة السعودية. لكن ذلك -في تقديري- لا يكفي للدلالة على أن الرياض عدّلت مسار سياستها الغبية في اليمن.
وكما يقال إن المقاومة والتصدّي المستمر لهجمات مليشيا الحوثي لا يكفي، إذ لا بد للمعركة أن تتقدّم إلى الأمام، بدلا من بقاء الجبهة ميدانا عمليا لمخابرات طهران، لتجريب سياسة الاختراقات، ومنح المليشيا فرص ترتيب صفوفها للهجوم مرات أخرى.
كذلك الغارات الجويّة لا تكفي. السعودية نفّذت سلسلة مُرعبة من الغارات الجويّة، خلال ما يقارب الست سنوات من الحرب.
كثير من الغارات كانت تستهدف جبالا صمّاء، لم تثمر إلا عن تصاعد أعمدة الدّخان، وقد شاهدت ذلك بنفسي مرارا في صنعاء وضواحيها.
في مأرب، تقول مصادر ميدانية وعسكرية إن أكثر ما يحتاجه المقاتلون هناك هو السلاح النوعي، والتغطية الجويّة لعمليات هجوم على مواقع متقدّمة للحوثيين بدون 'فيتو' أو خطوط حُمر.
لقد أثبتت سنوات الحرب بأن بقاء المعركة بالوتيرة الحالية نفسها ما هي إلا معركة استنزاف وعبث بأرواح اليمنيين.
ندرك أن لدى مليشيا الحوثي وفرة بشريّة وقطيعا قبليا تقودهم إلى مختلف الجبهات، مثلما أن لدى السعودية وفرة مالية مهولة تصبها على هيئة حمم بركانية فوق مساكن المدنيين، والبنى التحتية، ورؤوس مسلحي الحوثي أيضا.
لا أحد ينكر الدّور السعودي الجوي في جبهة مأرب. لكن ليست هذه معركة اليمنيين الناجزة لتحقيق نصر فارق على الحوثيين.
الكل يدرك أن المعركة الحقيقية هي في تحريك كل الجبهات ضمن خطة مدروسة لاستعادة العاصمة صنعاء.
من يصدّق أن المدينة كانت قبل ثلاث سنوات في مرمى قذائف مدفعية الجيش الوطني، ومن يتخيّل أيضا أن قذيفة واحدة كانت كفيلة بانهيار مشروع الحوثي.
كيف سمحت الشرعية وقيادة التحالف بهذا التراجع الكبير والمُهين؟!!
يتحدّث البعض عن ضغوط دولية. يبدو ذلك واضحا في تحركات المبعوث الأممي، مارتن غريفيث، وتصريحات الإدارة الأمريكية ومسؤولي الأمم المتحدة.
رغم كل الاحتشاد الغربي والأممي لاعتبار مليشيا الحوثي جماعة سياسية وطرفا من أطراف الصراع، تقابل المليشيا ذلك بمزيد من الهجمات على مأرب، واستهداف السعودية بالصواريخ 'الباليستية' والطائرات الهجومية المسيّرة، وصعّدت هجماتها بشكل غير مسبوق، خلال الآونة الأخيرة.
لكن مهما بدت حجم المخاطر إلا أن السعودية لا تبدو ضحيّة على الإطلاق. لقد دخلت حربا في اليمن بعيدة عن هدف استعادة الشرعية، ولا حتى تأمين حدودها الجنوبية.
تبدو الرياض اليوم منكشفة على نحو غير مسبوق أمام مليشيات مدعومة من طهران. لم تكن سياستها بهذا التعرّي على مدى عقود.
ونستبعد تماما رضوخها للضغوط الغربية. حين يتعلق الأمر بالأمن القومي للبلدان، فالواجب عدم الالتفات إلى أي سياسات أخرى من شأنها تعريض أمنك لمخاطر عظيمة.
قالت هيلاري كلينتون، في مذكراتها، إن سعود الفيصل أغلق سماعة التليفون في وجهها عندما أبدت اعتراض الولايات المتحدة على إرسال قوات سعودية إلى البحرين لقمع الاحتجاجات هناك.
لم تبدِ واشنطن أي ردة فعل على ذلك التصرّف ولا تستطيع. الحقيقة أن السعودية ما تزال دولة محورية في المنطقة، لكنها تمضي مُغمضة العينيين خلف الإمارات، ووفق سياسة شديدة الغباء في اليمن، وتصنع شياطينها بيديها.
تستطيع في مأرب -كما في غيرها من الجبهات- المساعدة في حسم المعركة في ظرف وجيز، ووفق سياسة هجومية وليست دفاعية واستنزافية.
تمتلك أدوات الحل السياسي والعسكري، وفرصا ووقتا ثمينا للحسم. لكن من المؤكد أنه مع الوقت ستفقد القدرة الكلية على الإدارة والفعل، ولا نستبعد أن ذلك بعيدا، فمؤشرات وعلامات الشيخوخة بادية الآن.