من المؤكد بأن القصف الأمريكي الذي أودى بحياة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الفريق قاسم سليماني ورفيقه القيادي بالحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس قرب مطار بغداد يوم الجمعة الماضية الموافق 3 يناير كانون الثاني قد كانت انعكاسات كبيرة على الداخل الإيراني وحلفاء طهران في المنطقة.
وفيما يلي سنحاول رصد تأثيرات هذا الحدث على الداخل الإيراني وعلى نفوذ إيران وحلفاؤها في المنطقة وكذلك سعي النظام الإيراني للتعامل مع هذا الحدث الكبير وتحويل الخسارة الفادحة برحيل مهندس العمليات الإيرانية الخارجية الجنرال سليماني إلى مكاسب لإيران وحلفاؤها في المنطقة.
• مكاسب على الصعيد الداخلي
1ـ توحيد الجبهة الداخلية
يحظى الجنرال قاسم سليماني بشعبية واسعة في الداخل الإيراني لدرجة أن استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخرا عن أبرز الشخصيات المحبوبة والمؤثرة داخل إيران أظهرت ان حوالي 8 من 10 من الإيرانيين يؤيدون الجنرال سليماني ويحبونه ولذا فإن عملية مقتله قد أصابت الشارع الإيراني بصدمة كبيرة وبغضب واسع وتحفز للثأر لتتوحد الجبهة الداخلية الإيرانية وليقف الشارع الإيراني خلف قيادته حيث شعر الجميع بأن ما تعرضت له إيران يمس كل إيراني ويضعها الدولة بأكملها أمام تحديات واستحقاقات أولها الرد المؤلم والانتقام لمقتل الفريق سليماني كما تلاشت الأصوات المعارضة التي كانت تنادي بمطالب حقوقية بعد أسابيع من موجة غضب عارمة اجتاحت البلاد إثر قرار السلطات الإيرانية رفع أسعار البنزين وهو ما ادى إلى انقسام حقيقي في الداخل الإيراني وتراجع شعبية النظام الإيراني إلى ادنى مستوياتها منذ أعوام بسبب القمع الذي طال المتظاهرين ولذا فالغضب الشعبي الذي كان موجها للنظام الإيراني قد تحول إلى غضب إيران على أعداء البلاد وفي مقدمتهم أمريكاء وحلفاؤها في المنطقة.
2ـ تقوية التيار المحافظ بقيادة المرشد
هناك إجماع لدى الباحثين في الشأن الإيراني على أن اغتيال واشنطن للجنرال الإيراني البارز قاسم سليماني قد ساهم في تقوية التيار الإيراني المحافظ بقيادة المرشد الأعلى علي خامنئي وأعاد إليه الكثير من شعبيته التي فقدها مؤخرا بينما يمر التيار الإصلاحي في أضعف حالاته ومن المرجح أن يشكل التيار المحافظ أغبية مقاعد مجلس الشورى الإيراني في الانتخابات القادمة في فبراير شباط المقبل أي بعد عدة أسابيع فقط وهو ما أكد عليه مسؤول الشؤون الإيرانية في مجموعة الأزمات الدولية علي فايز الذي قال في تغريدة بتويتر " من شبه المضمون أن يصبح البرلمان الإيراني بيد العناصر الأكثر تشددا في إيران " بعد الانتخابات التشريعية في انتخابات فبراير شباط القادم.
3 ــ نهاية لجهود إحياء المفاوضات مع واشنطن
لا صوت يعلو في إيران اليوم على صوت الرد على الأمريكيين والانتقام لاغتيال الجنرال قاسم سليماني ورفاقه ، إذ أكدت عملية اغتياله أطروحات التيار الإيراني المحافظ بقيادة المرشد الأعلى علي خامنئي والذي يرى في واشنطن عدوا و " شيطان أكبر " ولا يمكن الوثوق بها وبالاتفاق معها بعد أن أعلنت انسحابها من الاتفاق النووي الإيراني في 8مايو أيار 2018م وضاعفت من العقوبات على إيران ولذا فإن الأصوات التي كانت تؤيد إجراء مفاوضات بين واشنطن وطهران قد صمتت تماما بل صار الجميع يؤيد أطروحات التيار المحافظ والذي يبدي تشددا كبيرا في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية ويعارض تقديم أية تنازلات من أجل الجلوس معها على طاولة المفاوضات لرفع العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران إذ لم يعد أحد في إيران يتحدث الآن عن مفاوضات مع واشنطن فهذا التصعيد الخطير قد نسف كل الجهود والوساطات اليابانية والأوربية التي كانت تعسى لتخفيف التوتر وتلطيف الاجواء بين طهران وواشنطن وإعادة قيادات البلدين إلى طاولة المفاوضات وهذا الإجماع الداخلي على عدم التفاوض مع واشنطن وتبني رؤية الأصولي المحافظ تجاهها هو مكسب كبير للنظام الإيراني القائم في أغلبيته على تيار المحافظين.
4 ــ حشد الشارع الإيراني وراء خيار المقاومة
يختلف النظام الإيراني عن الكثير من الأنظمة العربية بكونه يجيد التعامل مع الأزمات المختلفة ويدرس الواقع جيدا ويستشرف المستقبل ويحسب حساب العواقب والنتائج ويتخذ من خلال تعامله مع الأزمات ومعرفته للواقع واستشرافه للمستقبل خطوات مدروسة تخدم استراتيجيته في الداخل الإيراني وفي المنطقة وعلى المدى البعيد وعقب اغتيال واشنطن لسليماني ورفاقه تدارست قيادات النظام الإيراني الواقع جيدا وعقدت اجتماعات مكثفة وعلى أعلى المستويات ورأت أن تستثمر هذا الحدث لخدمة أجندتها في الداخل والخارج وتجييش الشارع الإيراني خلف مشروع إيران في المنطقة بعد أن كان الكثير من الإيرانيين يشككون بجدوى تبني إيران لمحور المقاومة على واقع إيران ومصالحها ومستقبلها ويرون بأن ما يصرف على سوريا أو على حماس أو الجهاد أولى به المواطن الإيراني وخاصة في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها الإقتصاد الإيراني ولكن اغتيال واشنطن لسليماني أعاد ترتيب الأولويات في إيران وخلط الأوراق من جديد فأعاد هذا الحدث الاعتبار لقيادة طهران لمحور المقاومة في المنطقة وأهمية اهتمام النظام بحلفائه وانفاقه عليهم وتوجيههم لخدمة مشروعه في المنطقة.
• مكاسب لإيران في المنطقة
1ــ تقوية محور المقاومة في المنطقة
من المؤكد بأن اغتيال واشنطن لقائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني يعد خسارة فادحة لمحور المقاومة في المنطقة من العراق إلى لبنان إلى فلسطين إلى اليمن كون سليماني قد بذل جهودا كبيرة لدعم هذه الحركات والفصائل المسلحة فضلا عن كونه قد ساهم في تأسيس بعضها ومدها بالخبراء والمستشارين والأسلحة والتدريب وغيرها من أوجه الدعم ولذا فإن رحيل سليماني قد زاد محور المقاومة توحدا وترابطا حيث شعرت بأنها مستهدفة في قياداتها ولذا سارعت هذه الفصائل والحركات المسلحة بإرسال وفود إلى طهران لتدارس الرد على ما حدث لسليماني ورفاقه في العراق.
كما صرحت قيادات محور المقاومة في المنطقة من أمين عام حزب الله في لبنان حسن نصر الله إلى زعيم جماعة الحوثي في اليمن عبد الملك الحوثي بأن الرد على " جريمة استهداف قيادات المقاومة في المنطقة واغتيال الجنرال سليماني ورفاقه " هو مسؤولية كافة قوى المقاومة في المنطقة وأن الرد سيطال مصالح واشنطن وجنودها وقواعدها وكذلك مصالح حلفاء واشنطن في المنطقة ولم تكتف إيران بتجييش القوى والفصائل الموالية لها في المنطقة لتنخرط في عملية الرد على اغتيال قاسم سليماني بل تعد الآن لخطة جديدة لتفعيل وتقوية قوى المقاومة في المنطقة وزيادة ترابطها والتنسيق فيما بينها وهو ما يعني تحقيق مكاسب لإيران بصقتها قائدة لمحور المقاومة في المنطقة.
2 ـ السعي لطرد القوات الأمريكية من العراق
تسعى إيران وعبر حلفاؤها في العراق إلى إخراج القوات الأمريكية من العراق حيث صوت البرلمان العراقي قبل أيام على مطالبة الحكومة العراقية بإخراج القوات الأمريكية من العراق وهذا التصويت من المؤكد سيتبعه تحرك في البرلمان العراقي وتحرك في الشارع وضغوط كبيرة على الحكومة قد تؤدي في النهاية لإخراج القوات الأمريكية من العراق أو على الأقل إنهاء شرعية وجودها واعتبارها قوات احتلال وعرضة لهجمات حلفاء إيران.
هناك إجماع على أن خروج القوات الأمريكية من العراق إن تحقق سيعد انتصارا كبيرا لإيران في المنطقة حيث ستخلو لها الساحة العراقية في ظل غياب أي مشروع عربي في العراق ولذا فإن قيادات النظام الإيراني تولي عملية إخراج القوات الأمريكية من العراق أهمية كبيرة وتعتبرها أهم من إطلاقها لعشرات الصواريخ على قواعد أمريكا في المنطقة أو قتلها للعشرات من الجنود الأمريكيين انتقاما لاغتيال سليماني فإيران تنظر لعملية الرد على اغتيال واشنطن لسليماني بصفتها معركة طويلة في المنطقة وأن نجاح حلفاء طهران في العراق في الضغط على الحكومة لإخراج القوات الأمريكية من العراق وهو ما سيكون مقدمة لرحيل قواتها من المنطقة ككل وسحبها لقواعدها ويشجع بقية الشعوب والدول على السير على نهج العراق في طرد القواعد الامريكية وإخراج قواتها هو أكبر رد إيراني على واشنطن وهو تطور كبير سيصب لصالح طهران وحلفاؤها ويضاعف من تأثيرهم ودورهم في المنطقة.
3ــ محاولات للالتفاف على الانتفاضة الشعبية العراقية
واجهت الانتفاضة العراقية على مدى الثلاثة الأشهر الماضية مخاطر وتهديدات حقيقية حيث قُتل ما يقارب من500 شاب عراقي كما جرح أكثر من 25 ألفا من المتظاهرين بحسب إحصائيات نشرتها منظمات حقوقية ومدنية وبعد مقتل سليماني ورفاقه ازدادت هذه المخاطر وخاصة بعد قيام البعض من المتظاهرين في ساحة التحرير ببغداد وساحة الحبوبي في الناصرية بالهتافات فرحا بمقتل سليماني وهو ما أثار السخط لدى حلفاء إيران وأنصارها حيث هاجم مسلحون مجهولون ساحة التحرير بالسكاكين وقاموا بالاعتداء على بعض المتظاهرين وإذا كانت المرجعية الشيعية في العراق وتيار الصدر قد أبدوا تأييدهم لمطالب المتظاهرين وشددوا على حقهم في التظاهر وضرورة حمايتهم فإن المتغيرات الجديدة قد تفرض واقعا جديدا حيث يتراجع اهتمام المرجعية وتيار الصدر بالمتظاهرين ومطالبهم وحمايتهم كما تراجع اهتمام وسائل الإعلام بتغطية فعالياتهم المتواصلة وهو ما يجعل استهدافهم أسهل من أي وقت مضى.
لقد أندلعت الانتفاضة العراقية بالأساس لإنهاء هيمنة إيران على العراق وإعادة الاعتبار لسيادته حيث هتف المتظاهرون " إيران بره بره " وقاموا بإحراق قنصليات إيران في كربلاء والنجف وقاموا بإهانة صور المرشد الإيراني وإحراقها كما كانت هذه الانتفاضة الشعبية قد أندلعت ضد السلطات العراقية التي في أغلبها هي مكونة من حلفاء إيران ولذا فإن وأد هذه الثورة والالتفاف عليها وعلى مطالبها وتحويل الشارع العراقي من الثورة على الحكومة إلى الثورة على الوجود الأمريكي في العراق يصب لصالح إيران وحلفاؤها بكل الجوانب.
• زخم إعلامي لإظهار قوة إيران في المنطقة والعالم
أستثمر النظام الإيراني عملية اغتيال واشنطن للجنرال قاسم سليماني وما يرافقها من زخم وتغطية إعلامية ما تزال متواصلة لإظهار قوة إيران في المنطقة والعالم حيث أطلق المسؤولون الإيرانيون سيلا من التهديدات بالانتقام من واشنطن وبشكل مؤلم وعنيف وفي كل مكان في العالم وذلك لإظهار قوة إيران في المنطقة والعالم حيث صار لها حلفاء قادرون على الرد ليس في المنطقة العربية فحسب بل وفي كل العالم حيث صارت لإيران شبكة نفوذ واسعة وصار حلفاؤها يمتلكون قدرات عسكرية قادرة على ضرب قواعد واشنطن ومصالحها ومصالح حلفاؤها وقادرة على السيطرة على مضيقي هرمز وباب المندب وقصف إسرائيل وعرقلة الملاحة الدولية في البحر الأحمر وإعاقة تدفق النفط الخليجي وهي قدرات عسكرية كبيرة وتؤثر في موازين القوى في العالم.
وقد رأت في انشغال الإعلام العالمي بالتصعيد الأمريكي الإيراني في منطقة الخليج وغيرها ما يعكس قوة إيران في المنطقة والعالم فساهمت في تأجيج هذا الزخم الإعلامي بالتصريحات والتحركات العسكرية ولذا دشنت إيران بإطلاقها 14 صاروخا على قاعدة عين الأسد الأمريكية في العراق بداية الرد الإيراني المتعدد الجوانب على اغتيال واشنطن لقاسم سليماني وستواصل مع حلفاؤها معركة الرد الطويلة والاستراتيجية فإيران نفسها طويل واستراتيجيتها بعيدة المدى كما ستواصل صنع معركة إعلامية مصاحبة لتظهر قوتها ونجاح سياساتها حيث نجحت برأي الكثيرين حتى الآن في تحويل خسائرها برحيل قاسم سليماني إلى مكاسب داخلية وخارجية .
• باحث في الشأن الإيراني