"مستعدون أن نحارب ليس فقط على مستوى هذا الجيل، ولكن عبر الأجيال القادمة وإلى يوم القيامة"، هكذا أفصح زعيم الميليشيا الحوثية في اليمن، عبدالملك الحوثي، حقيقة مشروعه المثخن بالدمار والخراب، وذلك في خطابه المتلفز يوم 23 ديسمبر, 2015م.
بإمكان هذه الكلمات المقتضبة والملغمة، أن تضع حداً للتكهنات حول إحتمالات رضوخ الحوثيين للسلام وإيقاف رحى الحرب المدمرة منذ عام وإذعانهم للقرار الأممي 2216، خصوصاً والأنظار شاخصة تترقب ما ستفضي إليه جولة جديدة من المفاوضات بين الحكومة الشرعية التي ستعقد في دولة الكويت 18 إبريل/نيسان.
جدل يدور أيضاَ حول جدوى استمرار الحرب أو إيقافها واستبدالها بحوار سياسي، وكيف ستنعكس الحالتان على واقع ومستقبل اليمن واليمنيين؟!
يبدو لي الحديث عن تطبيع السلام مع الميليشيات الانقلابية في اليمن، كحلم وردي، يتردد في المحافل الدولية، وتلوكه افواه الساسة، فيما الواقع والميدان يقول عكس ذلك تماماً، وهذا لا يعني رفض اليمنيين للسلام او رغبتهم في استمرار الحرب التي انهكت كاهلهم واثخنتهم جراح وآلام.
اليمنيون يخوضون اليوم حرباً لم يرغبوا أبدا في خوضها، وناضلوا وضحوا كثيراً وقدموا كل التنازلات لتجنبها. فهذه ليست حربا أهلية كما يطلق عليها البعض، بل حرب بين مليشيات فاشية ونازية لا تعرف غير القتل متحالفة مع رئيس مخلوع مهووس بالسلطة والانتقام وبين مقاومة شعبية ترفض التسليم للانقلاب وللمليشيات وتدعم شرعية رئيس يمثل بالانتخاب إرادتها.
تتحدث جماعة الحوثي عبر مجلسها السياسي عن تفاهمات مع السعودية، وإمكانية القبول بحل سياسي سلمي، وتسليم الأسلحة، والإلتزام بهدنة مؤقتة، غير أنها تسعى للاستفادة من تجاربها السابقة من أجل إنقاذ نفسها, فما إن توشك المليشيات على الانهيار حتى تلجأ الى استخدام اسلوب المراوغة والمماطلة وتبدي رغبتها في السلام وتبادر بإعلان الالتزامات والوعود التي ما تلبث أن تلتف عليها وتختلق الأسباب والذرائع للتملص من تنفيذ التزاماتها.
تحايل الحوثيين لا حدود له، فهم حين يقبلون بأي هدنة فالمؤكد أنهم سينتهزونها لإعادة ترتيب قواتهم وتعزيزها بالمزيد من الأسلحة للضرب من جديد قبل انتهائها، وليست تلك الخروقات بالمستغربة، فسجلهم في خرق الهدنات طويل. إحدى الاحصائيات تتحدث عن خرقهم أكثر من 66 هدنة ونقضهم للأتفاقات منذ صعود مشروعهم، وهم يماطلون ويتملصون ليرتكبوا بعدها أبشع الجرائم في حق أبناء جلدتهم، وأفظع دمار في بلادهم.
كيف تتحدث هذه الجماعة عن السلام، فيما لم تبادر بإبداء حسن نيتها بإعادة الثقة إلى الداخل المتصدع، مئات المختطفين من المناهضين لها يقبعون في سجونها والبعض مر عليهم عام كامل، وزراء وقادة سياسيين وأطباء ومهندسين تكتظ بهم السجون، ولا زال القادة الميدانيين لجماعة الحوثي يجوبون القرى والمدن خصوصاً مناطق شمال الشمال، للبحث عن مقاتلين جدد لرفد جبهاتهم القتالية بالمزيد من المرتزقة والمحاربين.
وفق هذا الواقع، سيتهرب الحوثيون من الالتزام بأي اتفاق سلمي، وسيعرقلون جهود أي محادثات، ومهما وضع الحوثيون من مطالب تعجيزية، ومهما تم التوافق عليها، فهم في النهاية لن يذعنوا، لأن خطهم الأصلي هو تنفيذ الأجندة الإيرانية التي تطمح إلى التوسع والسيطرة من خلال عملائها.
لا يمكن أبدا تكرار الخطأ الكارثي بالتوجه إلى أي حل سياسي بدعوى تجنب آثار الحرب. لن يأتي هذا الحل إلا بعد هزيمة الحوثي عسكريا، وبعد التخلص نهائيا من أي تأثير لصالح وأسرته حاليا أو مستقبلا من داخل اليمن أو خارجها.
لقد ظهر بوضوح أن أي حل سياسي غير محمي جيدا يؤجل معركة أصغر إلى معركة لاحقة أكبر، وإذا كان لا بد من تضحيات فعلينا أن نقدمها اليوم لا أن نؤجلها لندفعها لاحقا بحجم مضاعف.