أكثر ما يلفت في انقلاب عدن الذي نفذ أوائل شهر آب/ أغسطس الجاري بأسلحة التحالف وإمكانياته ونفوذه في هذه المدينة، الموقف السعودي الذي يراوح بين التغطية الكاملة للانقلاب والعمل التكتيكي لمواجهة تداعياته على السمعة السيئة أصلاً للرياض جراء انخراطها في حرب على الأراضي اليمنية تذهب باتجاه معاكس لأهدافها المعلنة وتهدد بتطورات خطيرة على الأمن الإقليمي.
لعبت أبوظبي في انقلاب عدن دور البلطجي سيئ السمعة الذي ينفذ المهام الموكلة إليه دونما اكتراث للنتائج والتبعات، وقبلت على نفسها أن تكون السفيه الذي يداري فظاعة المخطط الذي ترعاه وتنفذه الرياض بشكل مثابر وصولا إلى أهدافها القديمة الجديدة في تمزيق اليمن والاستحواذ على مقدراته ومزاياه الجيوسياسية، وإبقائه متضعضعاً إلى ما لانهاية من عمر الدول.
ذهب الانفصاليون إلى نهاية مشوارهم السياسي بالإعلان عن كيانهم الانفصالي، الذي يرسخهم طرفاً في معادلة سياسية، لا يوجد في الطرف الآخر منها أي أثر للسلطة الشرعية، بل يوجد اليمن الشمالي أو الجمهورية اليمنية المحصورة بالحدود الجغرافية الناشئة عن انفصال يمضي كقدر على اليمنيين، والتي ترزح تحت الأثقال الأمنية والسياسية الطارئة ويهيمن عليها خليط من المكونات المتناقضة بين انقلاب في صنعاء ومقاومة منقسمة بفعل الأجندة المكشوفة لتحالف الرياض أبوظبي في اليمن.
إن المغزى من وراء دعوة الرياض من أسمتهم أطرافا متصارعة إلى حوار في جدة، هو حمل السلطة الشرعية إلى الإقرار رسمياً بالمكاسب الميدانية للمنتصرين الانفصاليين في مواجهات عدن
وضع كهذا دفع بأبرز قادة المقاومة الوطنية الشيخ حمود المخلافي الذي قاد مقاومة ناجحة في محافظة تعز، قبل أن يجبره التحالف على مغادرتها، إلى التلويح بأن لليمنيين خيارات متاحة للتعاطي مع الأوضاع التي قد تنشأ عن انقلاب التحالف في عدن، وهو تلويح يحتمل في ما يحتمل إمكانية اتحاد المكونات اليمنية الشمالية والجنوبية بما يكفي لخلط الأوراق وهزيمة المشروع الخطير للتحالف.
وفيما أعلن الانفصاليون عن وثيقة الاستقلال الخاصة بهم، لا تزال السعودية تقدم انطباعاً آخر مغايراً مفاده أنه بالإمكان تجاوز الآثار الميدانية لحرب عدن الأخيرة، لكن ليس بإنهاء مفاعيل الانقلاب بل بترشيده على نحو يسمح بإرساء سلطة هجينة مؤقتة في عدن يتكرس فيها دور السلطة الشرعية كسكرتارية فنية وإدارية واقتصادية للمجلس الانتقالي المهيمن هيمنة مطلقة على عدن ومعظم المحافظات الجنوبية بالوحدات العسكرية التي أنشأها ومولها التحالف.
إن المغزى من وراء دعوة الرياض من أسمتهم أطرافا متصارعة إلى حوار في جدة، هو حمل السلطة الشرعية إلى الإقرار رسمياً بالمكاسب الميدانية للمنتصرين الانفصاليين في مواجهات عدن وتحويلها إلى إنجازات سياسية على خط الانفصال المفتوح على نسخ أخرى قادمة قد تفكك اليمن الجنوبي وليس فقط اليمن الكبير إلى أجزاء سياسية متشظية يسهل معها السيطرة على مناطق حيوية كمحافظة المهرة التي دفعت السعودية قبل عامين بأعداد كبيرة من قواتها وأسلحتها للسيطرة عليها بدعوى منع تهريب الأسلحة والمخدرات، فيما الجميع يدرك أنها تسعى إلى سلخ هذا الجزء الجغرافي لتحقيق هدف الوصول إلى بحر العرب وتجنب المخاطر الناشئة عن النشاط الإيراني في مضيق هرمز.
إن أسوأ ما يتضمنه مخطط تفكيك الدولة، هي أن التحالف يبدو مصراً على دعم عمليات عسكرية مفتوحة لتصفية قوى التغيير في اليمن
الإمارات بدورها تتطلع إلى فرض هيمنة مطلقة على المرافق الحيوية في الجنوب، وهو أمر سيتحقق بالضرورة، مع الكيان الهزيل الذي تقاتل لتثبيته في جنوب اليمن، ومعه تسعى إلى فصل محافظة أرخبيل سقطرى عن الجنوب والاستحواذ عليها كمكافأة عن الدعم الذي قدمته للفريق الأسوأ من المكونات الجنوبية المطالبة بالانفصال.
إن أسوأ ما يتضمنه مخطط تفكيك الدولة، هو أن التحالف يبدو مصراً على دعم عمليات عسكرية مفتوحة لتصفية قوى التغيير في اليمن وفي المقدمة منها التجمع اليمني للإصلاح الذي يوصف بأنه الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن.
بدأت تحركات كهذه في شكل تمردات قبلية في محيط مدينة مأرب، وفي تسلل مقاتلين محسوبين على نجل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، المعروف باسم العميد طارق عفاش إلى محيط مدينة تعز، بالتنسيق مع مقاتلين في كتائب أبو العباس الإرهابية واللواء 35 المنتشر في الريف الجنوبي لمحافظة تعز والمرتبط بعلاقة تخادم مع القوات الإماراتية في عدن.
من المؤسف حقاً أن تتجاوز دول تعاني من الهشاشة الديموغرافية، كالدول الخليجية حدود طموحاتها الممكنة بالارتكاز على ثقلها المالي والعسكري الطارئ
ويتساوق مخطط كهذا مع أطروحات لمفكرين خليجيين بعضهم من الوزن الثقيل مثل الكاتب والمفكر الكويتي المعروف الدكتور محمد الرميحي، والذين بدأوا يطرحون سيناريو عودة اليمن مقسماً كما كان قبل 22 أيار/ مايو 1990 كأحد الحلول الممكنة لاحتواء الأزمة اليمنية.
إن مخطط حشر اليمن الشمالي الذي يضم 80 بالمئة من سكان اليمن، في زاوية الخيارات الصفرية، من شأنه أن يتسبب في انفجار يصعب السيطرة عليه ولن تبقى معه السعودية والدول المجاورة في مأمن من نيرانه التي ستلتهم الجميع وستحرق براميل النفط التي تتكئ عليها هذه الدول.
إنه لمن المؤسف حقاً أن تتجاوز دول تعاني من الهشاشة الديموغرافية، كالدول الخليجية حدود طموحاتها الممكنة بالارتكاز على ثقلها المالي والعسكري الطارئ في البحث عن استقرارها من خلال تفكيك الدولة اليمنية التاريخية التي تضم أكبر مكون سكاني في شبه الجزيرة العربية، بحثا عن استقرار إقليمي تأتي مهدداته الحقيقية من الضفة الشرقية للخليج.
نقلا عن عربي 21