"مثل الذي خان وطنه وباع بلاده مثل الذي يسرق من مال أبيه ليطعم اللص، فلا أبوه يسامحه ولا اللص يكافئه". استعرتها من كلمات نابليون بونابرت، لأني ألفيتها تعكس حالنا المرير في جنوب اليمن الجريح. المجلس الانتقالي يتوهم بأن دولة الإمارات ستكافئه على خيانة بلده، ولا يعلم أن لها أطماعا لنهب ثروات ومقدرات اليمن، ونزع هويتها الإسلامية.
فالإمارات غدت كمرض السرطان يسري في جسد الأمة العربية والإسلامية، ما أن تجد كارثة أو فتنة أو اقتتال في أي بقعة إلا وترى فيها لهذه الدولة بصمتها العبثية، مشعلةً فتيل الحرب لخدمة مآربها التي تعتقد أنها ستجعلها دولة عظمى. فقد جاء في تقرير لصحيفة نيويورك تايمز أن الإمارات أصبح لها كيان خاص ولها أجندة تهدف منها إلى بناء كيانات ودول منبطحة حتى تصنع لنفسها نفوذا في المنطقة كيفما تشاء دون تحسب لعواقب الأمور التي قد تودي بها إلى المهالك. وخصوصا أنها دويلة صغيرة ومكشوفة على أصحاب التُقية.
وفي الجانب الآخر علاقتها مع سلطنة عمان على المحك وخاصة بعد محاولات قلب الحكم بها بسبب عدم استجابتها في حصار قطر. ومن المفارقات التي تغض الطرف عنها، حجم وقوة العلاقات المتبادلة بين سلطنة عمان وطهران، وقد يكون ذلك له أثر سلبي مما يعرضها إلى مخاطر غير محسوبة.
الإمارات حاولت مرارا الاستيلاء على بعض المناطق السياحية مثل جزيرة سقطرى وبعض الموانئ الهامة، ولكن وجدت اعتراضا كاد يفضي إلى تصادم مع الشعب يهدد تواجدها، فرأت أن أفضل وسيلة هي استئجار مرتزقة من الشعب أنفسهم، فشرعت ببث فكرة إحياء المجلس الانتقالي الجنوبي كخيار أفضل لحبك السيناريو الذي وضعته، والذي آتى أكله بنجاح في ذبح الشرعية من الوريد إلى الوريد.
وما يقلقنا حقيقة هو الصمت المطبق من قبل السعودية رغم أن تصرفات هذه الدويلة يشكل خطرا عليها. وبالأخص أن المجلس الانتقالي الذي يناصب إيران العداء في العلن ولكن هو على وفاق معها قلبا وقالبا في الخفاء، قد يصبح خنجرا في خاصرة السعودية متضامنا بذلك مع الحوثي الذي أصبح ديدنه إمطار الحدود الجنوبية بالسعودية بالصواريخ البالستية يوميا إن لم أبالغ.
وما حدث في عدن ليس وليد الحدث، بل كان ضمن خطة أُعدت من فترة ليست بالقصيرة، جيش من المرتزقة بعتاد وأسلحة ثقيلة وأربعمائة عربة مدرعة لم يصمد الجيش الوطني أمامها وانهار سريعا خلال أربعة أيام، كاشفا مدى هزال وضعف أداء الجيش الوطني الناجم عن حجم الفساد المعشعش في أجهزة حكومة هادي. فقد حذّرتُ سابقا وغيري كذلك بأن الفساد الضارب في عمق الجهاز الإداري سيؤدي إلى كارثة لا يحمد عقباها، ولكن لا حياة لمن تنادي.
السؤال الذي يطرح نفسه، أليست أربع سنوات من الحرب كافية بأن تكشف لهادي مآرب التحالف؟.
أليست تجاوزات وتحركات المليشيات المدعومة إماراتيا - وكذلك المجلس الانتقالي بتصريحاته النارية التي أكد فيها عزمه لفصل الجنوب - كافية لإقناع الشرعية أن الأمور ليست في المسار الصحيح؟ فماذا أعدت حكومة هادي حيال كل ذلك.
والأدهى والأمر القرارات الخاطئة القاتلة التي اتخذها الرئيس هادي شكلت أحد الأسباب الرئيسية لما آلت إليه عدن. فقد نشر الدكتور عبدالله النفيسي الخبير في شؤون الشرق الأوسط تغريدة عام 2015م عندما عين هادي، عيدرس الزبيدي محافظا لعدن.ذكر في تغريدته استغرابه من هذا التعيين رغم أنه محسوب على إيران بل أنه ترعرع في أحضان الإثنى عشرية. وقد صرح عيدروس نفسه سابقا أن إيران مستعدة لمساعدته، وهذا التصريح كان من المفترض أن يلفت انتباه هادي في حينها.
الآن وقد انقلب المرتزقة على الشرعية شر انقلاب بعدن، ماذا بعد ذلك؟
لم نسمع إلا تصريحات هزيلة من الحليف الأكبر لا تغني ولا تسمن من جوع، تدعو فيها الأطراف المتحاربة إلى طاولة الحوار وكأن هؤلاء المرتزقة أصبحوا واقعا مفروضا ودعوتهم للحوار ما هي إلا اعتراف بشرعيتهم، وهذا ما سيعقد الوضع أكثر على حكومة هادي لاستعادة بسط نفوذ الجيش الوطني على المناطق المسلوبة.
فالقضية اليمنية حقيقة وصلت إلى مفترق الطرق، وليس على هادي إلا أن يطالب بتدخل أممي ودولي لدعم الجيش اليمني بالسلاح والعتاد، والعمل جاهدا لمنع شرعنة تواجد الانفصاليين بعدن، حتى وإن لزم الأمر زيارة بعض الدول الإسلامية والصديقة ذات الثقل السياسي والعسكري. فالرهان على التحالف العربي بات مشكوكا فيه، ولن يجدي نفعا. أربع سنوات من الإخفاقات ووعود واهية وعراقيل لمهمة الشرعية تعتبر كافية، ومن الحماقة أن يستمر مصير اليمن مرهونا سياسيا وعسكريا بهذا التحالف.
وأهم من ذلك يجب على هادي الاستغناء عن خدمات الإمارات أمام الأمم المتحدة وقطع العلاقات الدبلوماسية معها ومطالبتها بالرحيل الفوري من الأراضي اليمنية، و إلا اعتبرت دولة احتلال ويحق للشرعية مواجهتها عسكريا.
ما حدث في عدن قد يشجع جماعات مسلحة أخرى قد تبرز على السطح، ونخشى أن تتحول اليمن إلى ساحة تعج بالمليشيات تقتتل في كل بقاعها، مليشيات تخدم أجندة خارجية كما قال يولي فولير "الحرب مجزرة تدور بين أناس لا يعرفون بعضهم البعض، لحساب آخرين يعرفون بعضهم البعض ولا يقتلون بعضهم البعض".
وما يلفت الانتباه ويحزننا هو انشقاق بعض الألوية التابعة للشرعية بتأيدها للانقلاب وإعلان انضمامها رسميا مع الانفصاليين، ولم يكن ليحدث ذلك لولا أن رأوا تخاذل الشرعية على أرض الواقع وعجزها عن السيطرة على زمام الأمور منذ أن تواجدت في المنطقة. وهذه حقيقة لا نلوم بها إلا الشرعية التي لم تأخذ تصعيد الوضع حينها على محمل من الجد، لإيقاف ممارسات دويلة الإمارات غير المتواكبة مع أهداف التحالف.
أما وإن وصل الوضع إلى المنحدر الذي وصل الحال إليه، فلابد أن يعيد هادي ترتيب أولوياته بما يخدم مصلحة الوطن. فهناك خياران لا ثالث لهما.
أولهما: أن تدرك السعودية الحليف الأكبر تجاوزات الإمارات وتطلب منها مغادرة التحالف فورا، ومساعدة الشرعية في ضم كل المليشيات التي أسستها الإمارات تحت الشرعية بما فيها المجلس الانتقالي ومليشياته، وإلا فعلى هادي مجبرا أن
يلجأ إلى الأمم المتحدة وطلب إعفاء التحالف العربي من مهمته وتكوين تحالف دولي مهمته تنحصر على الضربات الجوية لمساندة تحركات الجيش الوطني ميدانيا على أسس سليمة نابعة من خبرات عسكرية تعي معنى الحروب وتكتيكاتها. والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.