اليوم تُطوى صفحات الماضي بكل أوجاعها ومرارتها وتجيء حياة مرحلية جديدة ندعوا الله أن تكون الأفضل، بقيادة تجمع الفرقاء تحت ظل مجلس، نجم عن مشاورات يمنية يمنية في وقت أدرك الجميع فيه، أن لا مناص من الجلوس على طاولة المفاوضات والاحساس بالمسؤولية إلى ما وصل عليه الحال في اليمن من تدهور وفوضى أعطى مساحة للتمدد الفارسي الخطر الأكبر على اليمن والمنطقة.
ومن هذا المنبر إذ نُثمّن لفخامة الرئيس عبدربه منصور هادي لموقفه الشجاع وإدراكه لحجم المسؤوليات الجِسام وتنازله عن كل صلاحياته لقيادات اتفقت فيما بينها على بناء مجلس توافقي يرأب التصدع الذي عصف بالبلاد، وكما لا ننسى أن نُثمّن أيضًا للحس الوطني الذي أظهره نائب الرئيس علي محسن الأحمر وقبول تنحيه، لإدراكه أن هذا الموقف هو موقف لابد منه لحسم المشاريع الضيقة التي كانت شاخصة في المشهد اليمني، أشغلت الجميع عن الخطر الفارسي الذي قد يمسح اليمن كليةً من خارطة العالم.
وقد سنحت الفرصة لي بلقاء غير مرتبًا له مقابلة نائب الرئيس اللواء عيدروس الزبيدي في مقر اقامته بالرياض، الذي استقبلنا بكل حفاوة وترحاب ظهر على وجهه بشاشة وتأمل صادق حيال اليمن الموحد. وقد أكد لنا أن مدينة عدن الغراء تستعد لعرسها المجيد باحتضان الحكومة الجديدة بكل قيادتها مؤقتًا لحين دحر مليشيا ذراع إيران الإجرامي من صنعاء عاصمة اليمن الموحد.
ولا ننسى أن نُثمّن لمجلس التعاون الخليجي على انجاح هذا المؤتمر التشاوري الذي نستطيع تسميته إن صح القول مجازًا بالمجلس التوافقي الذي عقد في ضيافة السعودية حفظها الله مشكورةً، والتي دأبت دائما تذكر في كل محفل يضمها مع القيادات اليمنية، أن اليمن العمق الاستراتيجي للسعودية على المستويين الأمني والاقتصادي. ويعتبر هذا الحوار التشاوري اليمني اليمني هو أهم منعطف لإنهاء حرب استنزاف دامت لأكثر من سبع سنوات عجاف حصدت فيها الأرواح والأموال وزادت مساحة المجاعة بين مختلف أطيافه، الذي لا ناقة له فيها ولا جمل، حرب مفتعلة لا أريد سرد اسبابها لسد باب التلاوم الذي لا ينجم عنه غير المشاحنات والضغينة.
ما يهمنا في نتائج هذا المحفل المبارك، هو المشورات المرضية والمفرحة في آنٍ واحد، فاقت كل التوقعات، كان من أهمها حل قضية الاختلاف بين قياديّ المليشيات والألوية وضم طموحاتهم تحت سقف واحد وبحكمة أظهرت صفاء نياتهم، وبالتالي توحيد كل الطاقات المستنفذة في الميدان لتوجه صوب العدو الجاثم على المنطقة، والفرصة لازالت أمام هذا المارق أن يفتح بابهُ لحوار السلام وقطع أيادي الاطماع الخارجية.
وأهم ما جاء أيضا في نتائج المشاورات والتي اظهروا فيها المشاركون مدى الحكمة والتنازل عن المشاريع الضيقة، التي عكرت صفو التوافق الاجتماعي والاقتصادي، هو انشاء هيئة متخصصة لمكافحة الفساد وارساء مبدأ الشفافية. وبالتالي نجد أن اليمن متجه نحو الاستقرار الأمني والازدهار الاقتصادي لينعم شعبه في ظل حماية ذاتية وبدعم خليجي كريم يصب في مصلحة الطرفين.
والجدير بالذكر أن هناك بوادر قد تجعل مليشيا الحوثي ترضخ لفتح باب الحوار لما رأتها في نتائج هذه المشاورات والتي توحد القوة المشتتة في الميدان، ولا سيما أن أحد قيادي مليشيا الحوثي ذكر أن عام 2022 هو عام السلام، وخصوصًا أنهم بدأوا يدركون حجم الجيش الموحد الذي لا شك سيقلب موازين القوة، وأنه من العبث الاستمرار في تمردهم وإلّا أصبحوا أثرًا بعد عين.
واللافت في هذه المشاورات حجم الانفاق الذي ستتحمله السعودية والإمارات رأسي الحربة في مجلس التعاون الخليجي لانعاش ورأب الاقتصاد المتردي في اليمن، فضلًا عما سيتم جمعه من خلال مؤتمر الدول المانحة لليمن والذي نأمل انعقاده في القريب العاجل، ولكن كل ذلك بعد اصلاح المنظومة الاقتصادية والذي سيقوم به مجلس اقتصادي متخصص يعمل على ارجاع الثقة للدول المانحة.
والتحدي الحقيقي والأكبر لهذه النتائج هو ترجمة استراتيجية مخرجات هذا الحوار التوافقي على أرض الواقع والتزام أعضاء مجلس القيادة الرئاسية بتضامنهم، والنأي عن مشاريعهم الضيقة التي لا تسمن ولا تغني على المدى القادم، فإننا نأمل أن نرى فيهم قول سيد الأنام صلوات الله عليه وعلى آله الاطهار، الإيمان يمان والحكمة يمانية، والله غالبٌ على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
*مقال خاص بالموقع بوست.