"الحرب مجزرة تدور بين أناس لا يعرفون بعضهم البعض، لحساب آخرين يعرفون بعضهم البعض ولا يقتلون بعضهم البعض".
هكذا وصف الكاتب و المفكر يولي فالير الأوضاع عندما يتقاتل فيها جيوش بالإنابة عن قوى خارجية كما يحدث الآن في حرب اليمن، يمنيون يتقاتلون فيما بينهم بالإنابة عن قوى خارجية كلّ له أطماعه، يقتلون بعضهم دون هوادة ولا رحمة، أعمتهم أطماع الدنيا وسقطها فراحوا يريقون الدماء ولا يكترثون لمناظر الدمار والتشريد لبني جلدتهم.
أصبحت اليمن ملأى بالمليشيات، حتى أنها أصبحت ميدان تجارب لأعتى الأسلحة دمارا وأرضًا لاستعراض الجبناء عضلاتهم على الشعب الأعزل الذي لا ناقة له في الحرب ولا جمل، سوى أنه يبحث عن ما يسد رمقه من الجوع والعطش.
قال المجاهد عمر المختار فارس ليبيا إبان الاحتلال الإيطالي : "حينما يقاتل المرء لكي يغتصب و ينهب، قد يتوقف عن القتال إذا امتلأت جعبته، أو أنهكت قواه، و لكنه حين يحارب من أجل وطنه يمضي في حربه إلى النهاية" ، وهذا حال الجيش الوطني الذي يقاتل من أجل عقيدته قبل وطنه في خضم وجود المليشيات التي اكتظت بها اليمن في كل بقاعها، حتى أصبحنا لا نعرف أسماءها، مليشيات طاغية تعمل جاهدة إلى تقسيم اليمن إلى دويلات جنوبية وشمالية، وليس ذلك فحسب، بل تعمل لصالح أطماع قوى شرٍ خارجية تسعى لاقتسام أرضيها.
فها هو الجيش الوطني جل من ينتسبون إليه غايتهم تحرير اليمن من براثن الطغاة والمجرمين. جيش يحارب بأقل عتاد له، ورغم ذلك شهدنا له بعض الإنجازات على أرض الميدان، ولكن التدخل الخبيث من بعض الساسة المحسوبين على الأمم المتحدة، و بعض دول التحالف كالإمارات حالت دون تحقيق النصر الكامل للجيش الوطني تهدف من وراء ذلك إلى إطالة أمد الحرب لأطماع ظهرت جليا، كمحاولتها احتلال جزيرة سقطرى.
والمحزن والمستغرب، الآراء المتباينة للشعب اليمني بين مختلف طبقاته. فهناك من يناصر الحوثيين وهناك من يدعو إلى فك الوحدة وتأسيس كيان جنوبي، وهناك من يبيعون ولاءاتهم لمن يدفع الأكثر مثل قادة المجلس الانتقالي الجنوبي. مع أن هذه الحرب اندلعت في الأساس لإعادة حقوقهم المسلوبة، ولا يدرك هذا الأمر إلا من كانوا وطنيين يريدون إرساء العدل و إبقاء الوحدة. أما التحالف الذي أثار زوبعة الحزم لإنقاذ اليمن و شعبه من الأطماع الإقليمية، يبدو لنا أنه وقع في مصيدة لا مهرب منها، ويحاول الخروج بطريقة تحفظ ماء الوجه.
ما يثير علامات الاستفهام أن هذه الجيوش تتمركز في المناطق المحررة تاركة الجهات الشمالية المشتعلة، تتسابق فيما بينها لأطماع خاصة لا تنتهي، مانحة الحوثيين فسحة لاستجماع قواهم، حتى أصبحوا يشكلون خطرا على المنطقة وخصوصا على المناطق الجنوبية من السعودية. فلاحظنا كمية الصواريخ التي أمطروها على بعض المطارات، وهذا لا يرضينا في طبيعة الحال، لأن مصابنا نحن والسعودية واحد.
لا ننكر أن حكومة فخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي سعت جاهدة في إحكام سيطرتها على المناطق المحررة ولكن ذلك لم يسعد دولة الإمارات التي جاءت أساسا لمآرب مناهضة لأهداف التحالف والشرعية. فهي من أسست ومهدت للحوثيين لاستلام صنعاء وهي من أنشأت وساندت جيش الانفصاليين. فأصبح الحوثيين و الانفصاليين وجهين لها، فهي دولة تتعامل مع الوضع بازدواجية فاضحة. دولة لا تريد للمنطقة أن تستتب أمنياً، فغدت تتصرف وكأنها الولايات المتحدة الأمريكية، كما ذكرت جريدة نيويورك تايم في أحد تقاريرها الأخيرة، حيث ذكرت أن الإمارات لم تعد تحت مظلة أمريكا فغدت لها أجندة خاصة تعمل لتقوية نفوذها في المنطقة، وذلك ببناء كيانات منبطحة تعمل لصالحها. فقد تعلمت الدرس من دولة العم سام جيدا.
وهذا الأمر لا يعفي حكومتنا الشرعية من المسؤولية بسبب قلة حيلتها، فقد أصبحت أشبه بما قال الدكتور عبد الله النفيسي " حكومتنا ركاب في طائرة مختطفة لا يعلمون أين ستحط بهم الطائرة" .. إلى متى قلة الحيلة هذه، ألا يوجد حل يذكر لرأب ما تبقى من يمننا. الإمارات ماضية في أجندتها فلن ترحمكم و لن ترعى لكم إلاًّ ولا ذمة. لو سنحت لها الفرصة لتخلصت من الرئيس هادي و من حكومته. يجب على الحكومة الشرعية أن تعالج الأمور خارج الأطر الحالية، ولن يفيد نفعا بقاء الوضع مرهونا على خطط التحالف الذي لم يصيبنا منه إلا زيادة الوضع تعقيدا.
محاولات غض الطرف عن الأخطاء القاتلة والمدمرة المتكررة من قبل التحالف، لن تجدي نفعا، بل ستزيد الشعب انقساما وتأليب الضمير العالمي، فيستغل الحوثيون ذلك في زيادة شعبيتهم.
ما نراه في الوضع الراهن هو وجوب تقوية الجيش الوطني وزيادة عتاده ومقاتليه، و أن يكون تحت إمرة وزير الدفاع اليمني وبإشراف من فخامة الرئيس.
الحرب للأسف أصبحت مفتوحة على عدت جبهات، لم تقتصر على الحوثيين فحسب، بل ظهرت أطماع إقليمية خفية أصبحت تشكل خطر على سلامة ووحدة اليمن.
هل نحتاج إلى إعادة هيكلة التحالف وتدخل دول ذات وزن عسكري لحسم الوضع؟ أصبح الأمر معقدا أكثر من ذي قبل.
ننتظر الإجابة يا سيادة الرئيس فاليمن دولة وشعبا أمانة في عنقك، و الله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.