اليوم السعودية تدفع ثمن أخطاء محمد بن سلمان.
كان الخطأ الأول في حصار قطر ثم في إيذاء عمان، وهذا أدى إلى جملة من الأخطاء التي ارتكبتها السعودية لاحقا، إذ كيف لدولة تقود تحالف في حرب باليمن، وتتهم إيران بدعم الحوثيين أن تقوم بتفيك المنظومة الخليجية بدلا من تمتين عرى التعاون بين الجميع، بينما هي في أمس الحاجة لكل صوت، ولكل دولة تساندها.
والخطأ الثاني في الفشل بتحقيق انتصار بمعركة اليمن خلال أربع سنوات لجملة من الأخطاء والسلوكيات التي سلكتها السعودية في تعاملها مع ملف اليمن، وتحول هذه الحرب إلى نقطة فشل في السياسة السعودية الخارجية، خاصة بعد تفكك الدول التي شاركت السعودية هذه الحرب في البداية تحت مسمى التحالف العربي، ثم بطريقة إدارة هذا الملف على المستوى الداخلي بالنسبة للأطراف اليمنية نفسها المؤيدة للسعودية، والتي شابها التشكيك والتأليب، والمحاذير الزائفة، والخطأ في قراءة واقع اليمن اليوم ومستقبله.
غير أن الخطأ الفادح الذي ارتكبته الرياض كان في ترك الأمر لدولة الإمارات في جنوب اليمن لتشكل مليشيا هناك وتعبث بكل أريحية، واليوم المليشيا والكيانات التي أنشأتها الإمارات تهدد بشن حرب على المناطق التي تتواجد فيها السعودية باليمن كحضرموت، وكان لهذا الدور الكبير الذي تولته الإمارات دورا كبيرا في الإساءة لطبيعة أهداف التحالف المعلنة، وخلق مشكلة يمنية ثانية في الجنوب موازية لمشكلة الحوثي في شمال اليمن.
والخطأ الثالث إعلان حرب مفتوحة على التيارات الإسلامية التي كانت تمثل ورقة قوة بيد السعودية لمواجهة خطر كالخطر الإيراني، فكيف للسعودية أن تحارب الإخوان المسلمين والسلفيين، وتصنفهم بالإرهابيين، ثم تتزعم حربا لمواجهة إيران، التي بعثت الروح في كل جماعات الشيعة في الدول المحيطة بالسعودية كالعراق والبحرين ولبنان وسوريا.
الخطأ الرابع سياسة الطيش والتعامل بالمؤامرة مع دول فاعلة في المنطقة كتركيا، والتدخل في الشأن الداخلي لدول أخرى كليبيا والسودان لبنان، ومختلف بلدان الربيع العربي، وهو ما جعل الشعوب العربية تتوجس من أي دور سعودي، وتنظر للسعودية كدولة تقود حربا مفتوحة ضد تطلعات الشعوب، وتؤازر الأنظمة القمعية والاستبدادية في المنطقة.
الخطأ الخامس كان في السياسة الداخلية لبن سلمان التي هيأت المجتمع نحو قضايا سطحية من شأنها أن تجعله غارقا في قضايا هامشية، وبنفس الوقت لا يمتلك أي قنوات محفزة للوعي الوطني الداخلي، والمخاطر الخارجية التي تهدد البلاد، فقد جعلت السعودية من تركيا العدو الأول، وحشدت كل الطاقات لإثبات هذه الفرضية، بينما الخطر الحقيقي الذي يتهدد وجودها في إيران وليس في تركيا.
كل هذا كان أشبه بكسر الحيطان والجدران والعوازل التي كانت تحول بين السعودية وبين خصومها، وتبعدها عن الضرر والتهديدات القائمة اليوم، ما جعلها مكشوفة من كل الإتجاهات، وجعل المخاطر تحدق بها مباشرة لأول مرة، وباتت في فوهة المدفع، وفي واجهة المعركة، بل وفي الصف الأول لميدان الحرب الذي تقرع طبوله اليوم.
اليوم ستحتاج السعودية لكل صوت يساندها، عسكريا وإعلاميا وسياسيا، بغض النظر عن توجه هذا الصوت وحزبه ودولته ومذهبه وحركته، وهو ما كان ينبغي أن تعمل السعودية من سنوات على تنميته والحفاظ عليه.
تحتاج السعودية لعاصفة جديدة تصحح أخطاء عاصفتها السابقة، وسياسة الطيش والتهور التي سلكها بن سلمان، وتحتاج لإعادة النظر في كثير من القضايا والملفات التي تعاملت معها مؤخرا باستخفاف وتهور، وبدون أي قراءة منطقية تعيد فرز الحليف والصديق والعدو.
ومع ذلك فالنكسات المتتالية من السعودية بحق حلفائها يجعلهم هذه المرة حذرين ومتوجسين، فأغلب من وقفوا معها وتضامنوا معها في السابق مسهم الضرر منها، وانقلبت عليهم السعودية لاحقا، كتيار الصحوة الذي ساند السعودية في العقود الأولى، وجماعة الإخوان المسلمين التي وقفت مع الرياض في فترات سابقة ثم تنكرت لهم لاحقا ووصفتهم بالارهابيين.
لذلك التعويل اليوم على موقف عربي وإسلامي في معركة السعودية مع إيران قد يقابل بالبرود التام، أو لن يخرج بأكثر من بيان متضامن، بسبب حالة التمزق التي تعيشها المنطقة العربية، وبسبب غرق السعودية في حرب اليمن، وبسبب كثرة الدعوات نفسها التي دعت لها الرياض لها من قبل، كالناتو الإسلامي، ودول البحر الأحمر، وغيرها.
لا أحد يريد للسعودية اي مصير يؤدي لخرابها أو تعرض صورتها للإهتزاز، لكنها هي من تسببت بكل هذا لنفسها، وما تمر به اليوم هو نتاج سياستها وحصاد ما زرعته طوال السنوات الماضية.
فهل ستؤمن السعودية هذه المرة أنها قوية في عروبتها وإسلاميتها، وانتمائها لمحيطها، وانحيازها لتطلعات الشعوب، وليس لصف الديكتاتوريات، وهل ستمثل لها هذه التطورات فرصة لمراجعة سياستها الداخلية والخارجية، وإعادة ترتيب الأولويات، والاستفادة من دروس الماضي للتغلب على مصاعب الحاضر، والانطلاق نحو المستقبل برؤية واضحة الأهداف.
الحرب تقرع طبولها، والجميع يتوجس، واللبيب من استعد لها جيدا، والنصر يحتاج لإعداد وتخطيط واستعداد، ومن يستشعر الخطر عليه أن يعمل مبكرا ليحصد النصر، ويتجنب الهزيمة، سواء كان في ميدان المعركة أم في ميدان السياسة.