ليس الجديد من أخبار اليمن أن مبعوث الأمم المتحدة، مارتن غريفيث، وصل إلى صنعاء، أول من أمس، لإنقاذ اتفاق استوكهولم الذي أوصلت المنظمة الأممية، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، حكومة الرئيس عبد ربه هادي والحوثيين إليه، ويقضي بتبادل أسرى ومحتجزين لديهما (نحو 15 ألفا) وحل الوضع في الحديدة. لا يثير هذا الخبر، من فرط تقليديته، اكتراثا به.
أما قتل طيران التحالف (تسمية مراوغة) مدنيين يمنيين في منطقةٍ سكنيةٍ في صنعاء، بينهم أطفالٌ وطالبات، الأحد الماضي، فخبرٌ يمرّ على الأعين والمسامع من دون كثير استفظاع، من فرط ما تكرّر مثله.
وبشأن انعقاد جلسة اليوم الأربعاء لمجلس النواب اليمني في سيئون، إحدى مدن حضرموت، فربما يشتمل على بعض الإثارة، إذ لم يأذن "الإخوة في الإمارات"، بحسب تسمية أحد هؤلاء النواب، لانعقاد الجلسة في عدن، بالعرقلة والمنع المكشوف، ويضاعف من أوجه الإثارة أن قوةً سعوديةً ستحمي الجلسة التي ستكون الأولى من طرازها منذ أربع سنوات. وبشأن اختيار رئيسٍٍ جديدٍ لمجلس النواب، وكذا أعضاء هيئة رئاسته، فمن الحماقة أن يُعتنى بأمرٍ كهذا.
وهناك إعلان مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية تقديم السعودية والإمارات مائتي مليون دولار لليمن في شهر رمضان المقبل، مساهمةً في "تخفيف المعاناة الغذائية وسوء التغذية والصحة في اليمن، بما يضمن منع حدوث مجاعةٍ أو تفشّي أوبئةٍ ناجمةٍ عنها"، بحسب بيان المركز.
هذا خبرٌ لا ينتبه إليه الناظرُ في الجائحة اليمنية بغير الاستهجان، ذلك أنها عديدةٌ سبل إنقاذ اليمنيين من مجاعةٍ وأوبئةٍ تسبّبها، أولها وقف الحرب العمياء، سيما وأن الرياض لم تستطع الانتصار على الجماعة الحوثية الانقلابية الذي توقّعته ميسورا، في أربع سنوات، تردّت فيها أحوال اليمنيين، فعانوا من أزماتٍ غذائيةٍ، وصحيةٍ، وإنسانيةٍ عامة، مفزعة التفاصيل، وقضى منهم عشرات الآلاف.
أركان الجريمة المتواصلة في اليمن المنكوب، وأطرافُها ورؤوسها، عديدون، لكلٍّ منهم نصيب فيها. ويزوّدنا تحقيقٌ طيّرته وكالة أسوشييتد برس، أول من أمس، بشيءٍ مما يُحرزه الحوثيون (يسمّون أنفسهم أنصار الله) في قتل أبناء بلدهم، ففيما ينبغي أن نعرف أن وباء الكوليرا استأنف نشاطه بهمّةٍ أكثر فتكا منذ بداية العام الحالي، تذكر الوكالة الإخبارية أن طائرةً تابعةً للأمم المتحدة، كانت تحمل نصف مليون جرعة من لقاح الكوليرا، ظلت في مطار دولة أفريقية، في يوليو/ تموز 2017، تنتظر إذنا من السلطات الحوثية لإدخال الجرعات، ولكنها لم تُحرزه.
وبحسب "مسؤولين مطّلعين"، فإن الحوثيين عرقلوا وصول اللقاحات، بسبب رفض الأمم المتحدة مطالبهم الحصول على سيارات إسعاف ومستلزماتٍ طبية. واسترسالا، فإن مسؤولين وعاملين في الإغاثة يوضحون أن الحوثيين والقوات اليمنية المدعومة من السعودية، عرقلوا، بشكل أو بآخر، جهود تطويق وباء الكوليرا الذي قتل ثلاثة آلاف يمني، والذي تقول الأمم المتحدة إن 150 ألفا من المحتمل إصابتهم به.
ومن تفاصيل أخرى، تبعث على الجزع، أن اختلاسا يتم لأموالٍ مخصصةٍ لمواجهة الكوليرا، وإن "مراكز تلقيح وهمية" على الورق، كانت الأمم المتحدة تموّل عملياتها (!).
يبتكر القتلة، جميعهم، إذن، صنوفا من تمويت اليمنيين تعجز الشياطين عن تخيّلها، صدورا عن بواعث الانتفاع من سلطةٍ مشتهاةٍ على حطام بلدٍ، وناسٍ مستضعفين. وفي الأثناء، يتم الإجهاز على هذا البلد الذي ما كان، عقودا، يطوي اقتتالا أهليا، حتى يعبر إلى اقتتالٍ أهلي آخر.
وهذه الأوبئة المتنقلة، وفي مقدمتها الكوليرا (والدفتيريا) تساهم، مع هؤلاء، في هلاك الناس الذين لم يعودوا مكترثين بشرعية منصور هادي وعدم شرعية عبد الملك الحوثي، بقدر ما يشغلهم أن يبقوا أحياءً ما أمكن، وأن يحظوا بالنجاة في غضون محدلة التمويت التي يواظب على إدامتها حاكمون في طهران والرياض وأبوظبي (وغيرها)، من دون رادعٍ إنساني، أو حسٍّ أخلاقي. والمدعو إليه هنا، في مختتم هذه السطور، أن يُلتفَتَ إلى أهوالٍ غير منظورةٍ في أخبار مروّعة، تتوالى من اليمن، عن هيئاتٍ مختصةٍ في الأمم المتحدة، تذيع عن فظاعاتٍ غير مسبوقة، وأن لا يُلتَفت إلى أسفار مارتن غريفيث وغبطة منصور هادي بشرعيته.
* عن العربي الجديد