بات في الوسع أن يُقال إن منجز العمليتين العسكريتين في اليمن، "عودة الأمل" الراهنة منذ إبريل/ نيسان 2015، وسابقتها "عاصفة الحزم" المعلنة في مارس/ آذار 2015، يقتصر على تحرير عدن ونواحٍ تحيط بتعز مع السيطرة على مأرب، وعلى وعودٍ لا تتوقف بالوصول قريبا (متى؟) إلى صنعاء التي احتلها "أنصار الله" (الحوثيون) في سبتمبر/ أيلول 2014. ومع استعصاء حسمٍ نهائي، يعيد السلطة إلى الشرعية، ممثلةً بالرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته، الظاهر أن العمليات الحربية ستتواصل بالرتابة التي صارت مألوفةً، مع ما يحفّها من مشكلاتٍ ميدانيةٍ لأسبابٍ غير قليلة، وأن الكلام المسترسل عن مبادراتٍ ومقترحاتٍ لحل سياسي سيبقى مسترسلاً، وأن هادي سيبقى أكثر اطمئناناً في الرياض من المكوث كثيراً في عدن. وفي الأثناء، تتفاقم المحنة الإنسانية التي يُغالبها اليمنيون، ويُساق أطفالهم إلى الحرب. وفي الأثناء أيضاً، ستبقى التكاليف الباهظة للحرب، على البلاد والعباد، مع ما يجري في غضونها من انتهاكاتٍ مروعة، نوافلَ لا تستطيبُ فضائياتٌ عربيةٌ كبرى الاقتراب منها.
هذا هو الإيجاز الممكن للمشهد اليمني، قبيْل بدء مفاوضات الكويت، برعايةٍ أممية، بين الشرعية وسلطة الأمر القائم، وصولاً إلى تمديدها قبل أيام أسبوعاً، غير أن إعلان تحالف الحوثيين وعلي عبد الله صالح، الخميس الماضي، تشكيل مجلسٍ سياسيٍّ لحكم اليمن، مؤلفٍ من عشرة ممثلين عنهما بالتساوي، مستجدٌّ لا غرض له سوى التذكير بأن القصور في ذلك الإيجاز شديدُ الفداحة، لأنه يقفز عن البديهية الأوضح في الصراع الناشب في اليمن، وموجزها أن في وسع قوة الأمر الواقع أن تفرض الإيقاع الذي تُريد، طالما أنّ ما يهدّدها إنما يرجّها فقط، يهزّها ويخدِشها، أي لا يقتلعها ولا يُنهيها، وطالما أن إحكام الحليفين سيطرتهما على العاصمة أجدى وأنفع من أي استنزافٍ لهما في عدن وما جاورها.
يرى عبد الملك الحوثي أن تسليم الأسلحة الثقيلة، والانسحاب من العاصمة والمدن الكبرى، والبدء بحوار سياسي، على أرضية مرجعيات قرار مجلس الأمن 2216 والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني، إجراءاتُ استسلامٍ لا يمكن أن تُقدم جماعته عليه. أما حليفه، صالح، والمتوقع أن يصير رئيس اليمن قريباً (!)، في أولى فترات التناوب على الحكم، بموجب صلاحيات المجلس السياسي الذي شكله مع الحوثي، فلا يبدي رغبةً بمناقشة هذا المقترح، وغيره من أفكارٍ يحدث أن يطرحها مبعوث الأمم المتحدة، إسماعيل ولد الشيخ، في طاولة المفاوضات في الكويت. ليس الرجل معنياً ببدعٍ مثل هذه، ولا بغيرها. إنه يعلن صراحة أن المجلس سيمثل اليمن في الداخل والخارج، وسيتولى شؤون الدولة سياسياً وعسكرياً وإدارياً. وفي الأثناء، يتلطف فخامة الرئيس السابق (واللاحق؟!) بدعوة "الشقيقة الكبرى"، المملكة العربية السعودية، إلى الحوار في أي مكان.
يقول الحوثي وزميله صالح ما يقولانه، فيما يشتهي ولد الشيخ أن يحرز في الكويت شيئاً. يقولان ما يقولانه، وهما على معرفةٍ بمساحات اللعب قدّامهما، والبادي أنها أوسع مما نظن، فإذا كان في مقدور عبد ربه هادي أن يزور مأرب، فإن في وسع الزميلين أن يتناوبا النوم في قصر الرئاسة في صنعاء، عندما يشاءان. وفي هذه الغضون، لقوات التحالف أن تقصف ما تشاء من جبال، ولعواصم مشاركة فيه أن تختلف فيما بينها بشأن ما إذا كانت الصلة مع حزب الإصلاح حلالاً أم حراماً.
ما صار بالغ الوضوح أن حلف صالح والحوثي يستقوي بأوراقٍ غير هيّنة بين يديهما، تجعلانهما يستخفّان بالبيانات الخليجية والأميركية والأوروبية والتركية التي ندّدت بإعلانهما مجلس الرئاسة الذي يقتسمانه، فحقائق القوة، ولو في صنعاء وحدها، هي التي جعلت محادثات الكويت في شهورها الثلاثة كأنها لم تنتظم أبداً. وهذا يعني، بإيجازٍ شديد، أن "عودة الأمل" ستكون استنزافاً للمملكة السعودية، إذا لم تتوجّه مباشرةً، وبقرارٍ واحدٍ، محسوب باقتدارٍ وثقةٍ بالغيْن، إلى صنعاء، فوحدها القوة العسكرية الحاسمة هناك تُنهي محادثات الكويت كما ترغب الرياض، وكما نرغب معها. ومن دون قوةٍ مثل هذه، النصر المبين لطهران والضاحية الجنوبية في بيروت.
* عن العربي الجديد