رحل عام مدجّج بالبؤس والكآبة على أحرار الأمة وشرفائها، ممن يحرصون على حاضرها ومستقبلها، فيما ترنو الأنظار إلى العام الجديد، وفيما كان الشهيد جمال خاشقجي هو سيد العام بلا منازع، الأمر الذي شهدت به حتى مجلة «تايم»، التي منحته صدارة شخصيات 2018، فإن قتله كان عنواناً للقهر الذي أصاب أحرار الأمة في كل مكان.
لم يكن قتله سوى عنوان للحالة البائسة التي تعيشها الأمة في ظل خلل الأولويات المدمّر، الذي يعصف بها على كل صعيد، والذي أكد حالة القطيعة بين قطر ودول الحصار، وواصل بدوره جنون مطاردة ما يعرف بـ«الإسلام السياسي»، مقابل الفشل الذريع في مواجهة المد الإيراني، بما في ذلك الفشل في اليمن، وللسبب ذاته أيضاً، ممثلاً في خوف بعض القوم من «الإصلاح» المحسوب على «الإسلام السياسي» أكثر من الخوف من الحوثيين أنفسهم.
إنه جنون الثورة المضادة الذي اشترك مع هوس التمدد الإيراني في صناعة هذا الحريق الذي دمّر مصالح الشعوب في المنطقة، وجعلها تئن تحت وطأة الموت والدمار منذ أعوام خلت.
وفيما قال لنا القوم إنهم يواجهون التمدد الإيراني، لم يكد العام يرحل، حتى بدأ رحيلهم إلى النظام السوري من دون أن يقولوا لنا كيف سيساهم ذلك الرحيل في مواجهة هذا النفوذ؟! ولعل الأكثر إثارة في المشهد الراهن هو توفر ملامح على أن بعض أولئك القوم قد بدأوا يضعون مواجهة تركيا كأولوية تتقدم على مواجهة إيران، باعتبار أن «الإسلام السياسي» السنّي هو العدو، أكثر من الآخر الشيعي الذي يمكن التعايش معه وفق قناعتهم مع بعض التنازلات.
أما الأسوأ الذي واجهنا به جنون الثورة المضادة، فيتمثل في تلك الهرولة نحو الكيان الصهيوني التي تمثلت في موجة تطبيع سرية وعلنية، لا تملك أي مبرر على الإطلاق، اللهم إلا شراء رضا السيد الصهيوني بصفته مفتاح قلب ساكن البيت الأبيض، الذي لم يتوقف بدوره عن لعبة الابتزاز الوقح على كل صعيد.
في الداخل، ما زال أحرار الأمة يرزحون بين المنافي وسجون عدد من الأنظمة، وبدل أن تجد تلك الأنظمة فرصة لتحسين الأوضاع الداخلية على صعيد الحريات، رأيناها تسرف في القمع على نحو مجنون. إنه التيه الذي تعيشه المنطقة، وتعيشه الأمة في ظل قيادات لا تعرف منطق الأولويات، ولا تعرف منطق المصالحات الداخلية من أجل مواجهة التحديات الخارجية، وتفضل الدفع للخارج على إجراء مثل تلك المصالحات.
لا حاجة لفتح الملف الدولي في سياق الحديث عن العام الراحل والجديد الذي بدأ، لكننا نشير إلى أن الوضع الدولي كان مدجّجاً بالصراعات أيضاً، وهو وضع طبيعي في ظل حالة انتقالية يعيشها العالم في انتظار تبلور موازين القوى الجديدة، إثر تراجع هيمنة الولايات المتحدة وصعود لاعبين جدد، وهنا تحديداً يقترب الوضع الدولي من الوضع الإقليمي، ولتكون النتيجة أن العام الجديد سيكون على الأرجح مدججاً بالصراعات مثل سابقه، ولن يكون فرصة لانفراج حقيقي يمنح الشعوب بعض الأمل، بل إن الانفجارات الاجتماعية ستكون واردة في ظل التراجعات الاقتصادية اللافتة، وتلك المسافة التي تبتعد بين الفقراء والأغنياء في العالم.
والخلاصة أننا نبحث عن أمل في العام الجديد، لكننا لا نعثر عليه مع الأسف، ونتمنى أن نكون مخطئين.
عن صحيفة العرب القطرية