أصدر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي قراراً بإعفاء رئيس الوزراء أحمد بن دغر، وإحالته إلى التحقيق بسبب «الإهمال الذي رافق أداء الحكومة خلال الفترة الماضية في المجالات الاقتصادية والخدمية، وتعثر الأداء الحكومي في تخفيف معاناة أبناء شعبنا وحلحلة مشكلاته وتوفير احتياجاته، وعدم قدرته على اتخاذ إجراءات حقيقية لوقف التدهور الاقتصادي في البلد، وخصوصاً انهيار العملة المحلية».
كذلك حمّل القرار حكومة بن دغر مسؤولية الفشل في مواجهة الآثار الكارثية لإعصار لبان الذي ضرب محافظة المهرة، والعجز عن استعادة الدولة واستتباب الأمن والاستقرار.
والملاحظ أولاً أن هذه الحيثيات كانت في معظمها مشابهة لتلك الأسباب التي أعلنها هادي عند إعفاء رئيس الوزراء السابق خالد بحاح في نيسان/ أبريل 2016، الأمر الذي يشير إلى أن خلفيات القرارين لا تتصل مباشرة بمسائل التقصير الحكومي، فهذه تشمل جميع مرافق ما تبقى من الدولة، ابتداء من الرئيس ذاته، مروراً بالوزراء، وانتهاء بالمسؤولين الإداريين على اختلاف مواقعهم.
ويصبح هذا الاحتمال مؤكداً حين يتكرر سيناريو إعفاء رئيس الحكومة مع الإبقاء على أعضائها في مناصبهم، وكأن الإخفاق يقتصر على رئيس الحكومة وحده وبصفة فردية.
الأرجح بالتالي أن للقرار أبعاداً سياسية تتجاوز حكاية الإهمال وتعثر الأداء الحكومي وانهيار العملة المحلية، وأن هادي يرضخ مجدداً للإرادة السعودية ـ الإماراتية من مقرّ إقامته شبه الجبرية في السعودية، بالنظر إلى ما بات شائعاً من خلافات متزايدة بين بن دغر من جهة، والمجلس الانتقالي الجنوبي المرتبط بالسلطات الإماراتية من جهة ثانية.
ولم يعد سراً أن هذا الطرف الثاني أخذ يطالب برأس بن دغر، ويُحسن توظيف مظاهر التقصير الحكومي للتحريض ضده شخصياً، بالإضافة إلى حقيقة ثابتة مفادها أن الرئيس اليمني لا يملك أي خيار آخر سوى الانحناء أمام المطالب السعودية والإماراتية.
كذلك تجدر الإشارة إلى أن إقالة بن دغر تندرج أيضاً في سياق التفاف هادي على مساعي رئيس الوزراء المقال لإعادة تأهيل العناصر الموالية له داخل حزب المؤتمر الشعبي العام، ومحاولة سحب البساط المؤتمري من تحت أقدام الرئاسة اليمنية.
وهذا طراز من التصارع الداخلي فرضته طبيعة التدخلات الإماراتية في الجنوب اليمني على وجه الخصوص، لا سيما فرض المجلس الانتقالي كقطب موازٍ يتولى كسر المحاصصة الحزبية التقليدية، متسلحاً بالدعم الأمني والعسكري الإماراتي المباشر.
الملاحظ ثانياً أن تعيين عبد الملك سعيد الصبري لرئاسة الحكومة لم يقترن أيضاً بأي تكليف لتشكيل «حكومة الإنقاذ المصغرة» التي كثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة، بوصفها البديل عن الترهل الإداري والإفراط في التوزير، وكأن مشاكل اليمن المستعصية إنسانياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً إنما تنحصر في شخص بن دغر، وقبله بحاح، وقبلهما محمد سالم باسندوة.
ومن المعروف أن ولاء رئيس الوزراء الجديد، الموزع بين «التجمع اليمني للإصلاح» و«التنظيم الوحدوي الناصري» وجلال هادي نجل الرئيس اليمني، ليس سوى الدليل على الصيغة التوفيقية التي كانت وراء تسميته.
وتلك هي الصيغة التي تخدم «الإرادة السامية» للتحالف السعودي ـ الإماراتي في اليمن، وتبقي منصب رئيس الحكومة مفتقراً إلى الكثير من مقوماته الوطنية.