تتسارع التطورات المرتبطة بواقعة اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في اسطنبول، بعد أن أخذت معطيات كثيرة تشير إلى احتمال تعذيبه وتصفيته هناك بطريقة وحشية بات من الصعب على حلفاء السعودية وأصدقائها أن يتجاهلوا تفاصيلها المذهلة أو يتستروا على قرائنها الدامغة.
ففي تطوّر سياسي بارز يخص الإمارات العربية المتحدة، حليف المملكة الخليجي الأبرز، ألغى ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان زيارة إلى فرنسا كان من المقرر أن تبدأ اليوم، وعُقدت عليها آمال كبيرة لجهة تجميل وجه الإمارات بوصفها الشريك الثاني للسعودية في حرب اليمن، وإعادة إدخالها إلى أوروبا عبر البوابة الفرنسية. ولم يكن هناك أي سبب طارئ يحول دون قيام بن زايد بهذه الزيارة الهامة، لولا أنه قدّر ما سيلاقيه من حرج شديد أمام الرأي العام والصحافة في فرنسا بسبب وقوف أبو ظبي خلف الرياض وتبنيها الرواية السعودية بصدد قضية خاشقجي.
وفي تطور اقتصادي ومالي واستثماري، انخفض مؤشر البورصة السعودية بمعدل 7?، وهو الهبوط الأدنى منذ كانون الأول/ ديسمبر 2014 حين اتجهت أسعار النفط نحو انهيار ملحوظ. كذلك انحدرت أسعار العملة السعودية إلى أدنى مستوى لها منذ سنتين، وتراجعت أسعار الأسهم السعودية في الأسواق العالمية بعد تزايد المؤشرات على إمكانية انحسار الاستثمارات وتعليق بعض المشاريع الكبرى داخل المملكة. وكان الدليل الأكثر وضوحاً على تأثر الأسواق بقضية خاشقجي هو سلسلة الاعتذارات عن حضور مؤتمر «دافوس في الصحراء» الذي تنظمه الرياض وتعتزم عقده خلال أيام قليلة برعاية شخصية من ولي العهد محمد بن سلمان.
وأما التطور الأمني والقضائي فقد تمثل في تقارير صحافية أشارت إلى أن الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة ومستشار الملك السعودي، وصل إلى أنقرة واجتمع مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، وهذا يعني أن بعض خيوط ملف خاشقجي قد تكون في طور التسليم إلى الفرع الفيصلي من آل سعود، الأمر الذي قد يتخذ صفة سلاح ذي حدين لصالح بن سلمان وضده في آن. وفي المقابل كان وصول رئيس الاستخبارات السعودية خالد الحميدان إلى تركيا للانضمام إلى مجموعة العمل التركية ـ السعودية المشتركة، ثم الإعلان عن بدء دخول السلطات التركية إلى مبنى القنصلية لتفتيشها، يؤكد أن الرياض لم تعد تجد مفراً من الرضوخ للضغوطات الدولية المطالبة بكشف حقائق اختفاء خاشقجي.
وفي هذا السياق كان البيان المشترك الذي صدر عن وزارات الخارجية في فرنسا وألمانيا وبريطانيا، ثم إسبانيا في وقت لاحق، وكذلك تخبط التصريحات السعودية بين تهديد بفرض إجراءات مضادة ثم تلطيف التصريح إلى درجة سحبه من التداول، بمثابة عوامل ضغط إضافية ومتلاحقة على الرياض. ولكن هذا الرضوخ لا يعني أن السلطات السعودية سوف تسلم بمسؤولية القنصلية، وبالتالي ولي العهد شخصياً، عن تصفية خاشقجي. ولا ينفي إمكانية تدبير كبش فداء من نوع ما، يحمل وزر الجريمة عن المجرم الفعلي والأول. ولا يلغي، أخيراً، احتمال «لفلفة» القضية بأسرها، بحيث تنجح مليارات دافوس الصحراء في طمس جريمة القنصلية.