نشرت مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة التقرير الذي توصل إليه فريق الخبراء الدوليين والإقليميين المستقلين حول حالة حقوق الإنسان في اليمن، والانتهاكات المرتكبة منذ أيلول/ سبتمبر 2014 وحتى شهر آب/ أغسطس من العام الحالي. ويقول التقرير إنه تتوفر لدى فريق الخبراء أسباب وجيهة للاعتقاد بأن أطراف النزاع المسلح في اليمن قد ارتكبت عدداً كبيراً من الانتهاكات للقانون الدولي والإنساني، تنتظر قرارات من قبل محكمة مختصة ومستقلة. ومن المقرر أن يُعرض التقرير على الاجتماع المقبل لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، ويقدم إلى مجلس الأمن الدولي.
ويفصل التقرير هذه الانتهاكات في ستة بنود، هي الهجمات ضد المدنيين، والقيود المفروضة على وصول المساعدات الإنسانية، وأشكال القمع المختلفة (الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب وسوء المعاملة)، وانتهاكات حرية التعبير، والعنف الجنسي، وتجنيد الأطفال واستخدامهم. وإذا كان التقرير قد أدان الحوثيين و«سلطة الأمر الواقع» بأعمال ترقى إلى جرائم حرب، مثل ممارسة التعذيب وتجنيد الأطفال ومنع توزيع الإمدادات، فإن الحجم الأوسع من الإدانة يخصصه تقرير الخبراء الثلاثة إلى ممارسات التحالف السعودي ـ الإماراتي.
ويصف التقرير على نحو خاص الضربات الجوية التي شنها التحالف واستهدفت التجمعات والأسواق والجنازات وحفلات الزفاف، وانتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبينها الحق في مستوى معيشي لائق والحق في الصحة. كذلك يشير التقرير إلى انتهاكات أخرى شملت الاغتصاب والجرائم الجنسية، خاصة تلك التي ارتكبها ضباط إماراتيون داخل السجون والمعتقلات. وقال الخبراء إنهم حددوا، حيث أمكن، الأفراد الذين من المحتمل أن يكونوا مسؤولين عن جرائم دولية، وقد تمّ رفع قائمة بأسمائهم إلى المفوض السامي لحقوق الإنسان.
ومن حيث المبدأ يمكن القول إن هذا التقرير يمثل انتصاراً لحقوق الشعب اليمني، حيث خلّف النزاع وعمليات التحالف نحو 8500 قتيل و49 ألف جريح، كما تسبب في أزمة إنسانية حادة أصابت الملايين حسب منظمة الصحة العالمية، وشملت القتل والتهجير والتدمير ونقص الأغذية والأدوية وانتشار الأوبئة.
ورغم وجود 30 ألف موقع يحظر قصفها حسب لوائح التحالف ذاته، كما يقول التقرير، فإن معظمها تعرض للقصف، كما في الحافلة المدرسية التي استُهدفت في صعدة مؤخراً فأوقع القصف 47 ضحية وعشرات الجرحى. كذلك فإن نشر التقرير انتصار لمجلس حقوق الإنسان ولمنظمات إنسانية وحقوقية وإغاثية عديدة طالبت على الدوام بتشكيل لجنة للتحقيق في جرائم الحرب التي تُرتكب في اليمن، وثابرت السعودية على إحباط جميع الجهود السابقة الرامية إلى تشكيل مثل هذه اللجنة، ومن المنتظر أيضاً أن ترفض المملكة نتائجها وتضرب بها عرض الحائط.
ومن المفارقات المأساوية أن يرسل البنتاغون جنرالاً أمريكياً يطلب من الرياض الترفق في قصف المدنيين في اليمن، وأن يتواصل في الآن ذاته التعاقد مع المملكة على مليارات من صفقات الأسلحة ذاتها التي ترتكب جرائم الحرب. وليس مستبعداً بالتالي أن يبقى تقرير خبراء حقوق الإنسان حبراً على ورق حين يُعرض على مجالس الأمم المتحدة، بالنظر إلى أن مصالح القوى الكبرى تجعل سياسة الكيل بمكيالين هي الراجحة أولاً، وقبل أي اعتبار إنساني أو حقوقي.