ما لا تريد السلطة الشرعية أن تكشف عنه هو أنها عادت إلى مربع الدفاع المستميت عن وجودها تماماً كما كان الحال نهاية عام 2016، عندما كان وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري وبالتنسيق مع ابوظبي يمارس ضغوطاً كبيرة لتمرير صفقة التسوية السياسية التي تقتضي الإطاحة برموز الشرعية الحاليين وفي المقدمة منهم الرئيس عبد ربه منصور هادي.
كان دافع أبوظبي في ذلك الوقت هو رغبتها في إعادة فرض رجالها في السلطة الشرعية، دون أن تدرك أن رجالها لن يستطيعون فعل شيء عندما تصبح السلطة الانتقالية المقترحة مجالَ نفوذٍ لأطراف أقوى بكثير من السياسيين التابعين لها، ومن الهياكل التي أنشأتها في الجنوب لتكون لنواة دولة تتشكل على هامش التدخل العسكري للتحالف، لتوفر الغطاء المناسب الذي يتيح لأبوظي ممارسة نفوذ طويل الأمد في جنوب اليمن.
وما يثير القلق أن تحالف الرياض بات أميل إلى التعاطي مع اليمن في معزل عن سلطة الرئيس هادي، هذا على الأقل ما تؤكده الصفقات واللقاءات الجانبية التي تجريها السلطات السعودية مع الفعاليات والواجهات الاجتماعية من المهرة إلى صعدة.
يمارس المبعوث الأممي مارتن غريفيث ومن ورائه الدول الكبرى في هذه الأثناء ضغوطاً قوية بحسب اعترافات وزير الخارجية خالد اليماني، لحمل السلطة الشرعية على القبول بإعادة هندسة واجهتها الخارجية، على نحو يتيح فرض شخصيات متوافق عليها من جميع الأطراف من بينها الحوثيون الذين حرك التحالف كل آلاته الحربية للقضاء عليهم وإنهاء النفوذ الإيراني الذي تمارسه طهران من خلالهم.
تصريحات وزير الخارجية للصحافيين في الرياض، كشفت عن هذا المأزق الذي وصلت إليه الشرعية، وكشفت أيضاً عن أن السلطة الشرعية باتت مجدداً عرضة للاستهداف من جانب الأممي المتحدة واللاعبين الدوليين، وهي نتيجة مثيرة للاستغراب وما كان يجب أن تحصل، في ظل الثقل العسكري للتحالف الذي يدعي أنه إنما جاء لدعم الشرعية وهو دعم لا يقتصر على مواجهة الحوثيين، ولكن أيضاً المشاريع التي تريد أن تفني الشرعية وتنهي دورها.
لست أدري ما إذا كانت الرياض حاضرة لتقديم العون السياسي الذي لا يتعلق فقط بمستقبل الشرعية ولكن أيضاً بمستقبل المملكة نفسها، لأن أي تسوية تُبقي الحوثيين أقوياء في ساحة فراغ سياسي مثل اليمن لن يستطيع أي طرف ملئها غيرهم، سيحقق الكارثة التي تحيط بالرياض، خصوصاً بعد كل هذه الصواريخ الحوثية التي استهدفت عاصمة المملكة ومدن العمق السعودي طيلة العام المنصرم.
لا يخلو انتقال رئيس الوزراء الدكتور أحمد عبيد بن دغر إلى الرياض للإشراف على دراسة المقترحات المقدمة من المبعوث الأممي والرد عليها من دلالة على حاجة السلطة الشرعية إلى دعم الرياض، لأن صياغة الموقف الرسمي للسلطة الشرعية إزاء المقترحات الأممية لا يمكن أن تتم في معزل عن موافقة الرياض ودعمها.
لكن في ظل ضبابية موقف الرياض ليس بوسع المرء ان يتوقع موقفاً سعودياً يمكنه أن يغامر في تحمل تبعات مرحلة ما بعد فشل المبعوث الأممي، بما في ذلك احتمالات تخلق مواقف دولية قد تنهي الوضع المريح للتحالف في الساحة اليمنية.
ما أفهمه أن الكارثة التي تَعِدُ بها الحربُ الدائرةُ في اليمن هي أن التحالف قد يواجه غرقاً في المستنقع اليمني يصعب التكهن بحجم الثمن الذي قد تتكبده السعودية على وجه الخصوص، جراء وقوع هذه الكارثة التي قد تنجم عن إطالة أمد الحرب، وهو النهج المرئي للتحالف في هذه المرحلة، ما يعني أن التحالف وليس غيره هو الذي يحبك بيده الحبل الذي سيلتف حول رقبته ويؤذن بنهاية كارثية لمهمته العسكرية في اليمن.