في مقال لها بصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية انتقدت كاتبة من كوريا الجنوبية سياسة بلدها تجاه اللاجئين اليمنيين ووصفتها بالعنصرية.
تحدثت الكاتبة واسمها (سي وونغ كو) في المقال عن بعض العوامل المسببة لتنامي كراهية الأجانب في كوريا الجنوبية، ومنها أن المجتمع الكوري يربي أطفاله على قناعة مفادها بأنهم من الأجناس البشرية المميزة، وبالتالي هناك نظرة دونية تجاه الأجانب، ليس اليمنيين فقط، بل الهنود والسعوديين والمصريين وغيرهم من الوافدين إلى كوريا الجنوبية.
أما المبرر الثاني فهي المخاوف من محاولة إنتشار الإسلام في كوريا، وتحولها لدولة مسلمة مستقبلا، وساهم في ذلك اللوبي الإنجيلي الذي يعزز هذه المخاوف في المجتمع الكوري، وفق ما ذكرته الكاتبة.
أتذكر فيلم وثائقي بثته قناة الجزيرة عن الإسلام في كوريا الجنوبية وتطرق بشكل كبير لمخاوف المجتمع الكوري من انتشار الإسلام، ونشاط اللوبي الإنجيلي في الحد من هذا الانتشار.
وفق الكاتبة فالمجتمع الكوري ليس كله مع التوجه العنصري، ففي استطلاع نشر عن مدى تقبل المجتمع الكوري للاجئين أجاب 49% بالرفض، بينما ابدى 39% من السكان تأييدهم لقبول اللاجئين.
في نهاية مقالها تذكر الكاتبة شعبها بالقول: "كيف تتوقعون من دول أخرى التعامل مع اللاجئين الكوريين الجنوبيين في حالة نشوب حرب مع كوريا الشمالية"؟
اليوم لم تعد تداعيات الحرب في اليمن منحصرة على الوضع الإنساني والمعيشي والاقتصادي داخل البلد، فهناك مشكلة اسمها "اللاجئين اليمنيين"، و باعتقادي أن هذا اللجوء ينقسم لقسمين، الأول النزوح الداخلي من المدن التي تعيش الحرب إلى مناطق أخرى، والثاني هو اللجوء الخارجي، حيث يتوزع الآلاف من اليمنيين على عدة دول حول العالم.
في أمريكا ينتظر أكثر من 1200 يمني يوم الخامس من يوليو الجاري بشغف، وهو الموعد النهائي لوزارة الأمن الوطني لتقرر ما إذا كانت ستسمح بانتهاء نظام الوضع المحمي المؤقت لليمنيين أم لا؟ وهذا النظام بدأ في الثالث من سبتمبر من العام 2015م إبان فترة أوباما، وينص على السماح لليمنيين بالبقاء في أمريكا، بسبب الاوضاع التي تعاني منها اليمن، لكن صعود ترامب وعنصريته ضد اللاجئين والمهاجرين بعث من جديد هذه القضية.
هذا التوجه العنصري لإدارة ترامب دفع بثلاثة من سفراء أمريكا الذين عملوا في اليمن الى رفع رسالة لإدارة ترامب طالبوها بتمديد وضع الحماية لليمنيين، ومن أولئك السفراء بربارا بودين، وستيفن سيش، وجيرالد فايرستاين.
لاحقا دخلت على الخط منظمة هيومان رايتس ووتش، وطالبت واشنطن بتجديد الحماية المؤقتة لليمنيين، وقالت إن أي شخص يُعاد قسراً إلى اليمن يواجه مخاطر جدية على سلامته الشخصية من النزاعات المسلحة المستمرة، و انتهاكات قوانين الحرب من قبل الأطراف المتحاربة.
اليوم يتوزع اليمنيين على دول مختلفة حول العالم، وكل دولة لها ظروفها وطريقة تعاملها مع هؤلاء اللاجئين، والملفت أن دول التحالف العربي الرئيسية التي تزعم أنها تخوض حربها في اليمن من أجل اليمنيين، كالسعودية والإمارات هي أقل الدول استضافة للاجئين اليمنيين، وأكثرها تعسفا وقساوة ورفضا لتواجدهم على أراضيها.
في السعودية رسوم مالية يدفعها اليمنيين مقابل تجديد تأشيرة الدخول، والأغلب يدفع غرامات مالية باهظة، وسبق للسعودية طردها لآلاف اليمنيين من اراضيها.
اليمنيون في مصر سيدفعون مبالغ شهرية مقابل البقاء هناك، وهو مشروع قانون مصري سيدخل حيز التنفيذ لاحقا، وسبق هذا القرار المصري وضع السلطات المصرية شروط على دخول اليمنيين تتعلق بالفئات العمرية.
والإمارات التي تقول إنها تدعم الشعب اليمني واستقراره ترفض استقبال أي لاجئ يمني، ويقتصر دورها على استضافة الشخصيات السياسية التي تدعمها لتنكيد اليمن فقط، والمحسوبة على النظام السابق، أو تلك التي تمثل مصالحها في جنوب اليمن.
ليبيا عانى فيها اليمنيون الكثير، وبعضهم تعرض للسجن والتعذيب، ودفع مبالغ مالية للمهربين، ومع ذلك لم ينجح الكثير في الوصول لأوربا، وآخر حادثة تتعلق باللاجئين اليمنيين في ليبيا كانت خلال الأسبوع الماضي حين توفي عدد منهم في حادثة غرق مركب كان يقل العديد من اللاجئين.
أمريكا منعت دخول اليمنيين إلى أراضيها وتنوي ترحيل المقيمين بطريقة غير شرعية، كما أسلفنا.
المغرب والجزائر وتونس والبحرين وقطر وبقية الدول لا ترغب في استضافة أي لاجئ يمني أو حتى منحه تأشيرة علاج أو عبور.
وساهم في معاناة هؤلاء اللاجئين إلغاء كثير من الدول التي كانت تمنح اليمنيين دخول مباشر إلى أراضيها بدون تأشيرة مسبقة هذه الميزة، بسبب الحرب في اليمن، ومن تلك الدول كوريا الجنوبية مؤخرا بعد تزايد وصول اللاجئين إلى جزيرتها "جيجو"، وهناك أيضا دول عربية، كالاردن، ومصر، والجزائر.
وتبقى أمام اليمنيين دولتين فقط تستقبلهم بدون تأشيرة مسبقة، وهي ماليزيا والسودان، وفي حين يبقى الوصول إلى ماليزيا صعبا للكثير من اليمنيين بسبب بعدها عن اليمن، تكاد تكون السودان الدولة العربية الوحيدة التي تستضيف الآلاف من اللاجئين اليمنيين في اراضيها، وتمنحهم العيش بكل حرية، ودون مضايقات، وهذا ليس بغريب على هذه الدولة وأهلها ونظامها، فالعلاقات اليمنية السودانية هي من أرسخ العلاقات وامتنها بين الشعبين منذ عقود.
بالطبع لم يكن أحد يتصور أن يصل الحال لليمنيين إلى ما هو عليه وضعهم حاليا، ولم يكن هذا اختيار اليمنيين وقرارهم، واليمن بحد ذاته استضاف الآلاف من اللاجئين القادمين من دول القرن الأفريقي طوال العشرين عاما الماضية، وتعامل معهم بأرقى التعامل الإنساني والأخلاقي، لكنه اليوم يتحول إلى بلد مصدر للاجئين.
المحزن في الأمر أن كل هذا الذي يجري لهؤلاء اللاجئين المتوزعين في الشتات لا يقابل بأي اهتمام من قبل الحكومة اليمنية، والتي يبدو نشاطها معدوما في التواصل مع مختلف الدول التي يصلها اللاجئين اليمنيين لتدافع عن قضاياهم، وتحل الإشكاليات التي تواجههم.
*نقلا عن صحيفة مصادر السودانية.