تعالوا نتفق ابتداء أن العرب يعيشون أسوأ مراحلهم التاريخية المعاصرة، عواصم التأثير العربية (دمشق والقاهرة وبغداد) الأولى والثالثة تقعان تحت الاحتلال المزدوج، والثانية ــ القاهرة ــ مصابة بكساح سياسي لا نظير له ولا علاج له إلا باجتثاثه بثورة شعبية عارمة لا تبقي من الخونة والعملاء وأصحاب الطموحات الشخصية الأنانية الحاقدة ولا تذر . السعودية تعيش على مفترق الطرق بين جيلين، الأول من تبقى من أبناء المؤسس للدولة السعودية، والثاني الأحفاد المتطلعون الى الاستيلاء او تقاسم التركة، وهذا سيقود البلاد إلى الهاوية التي لا نتمناها. كان يقود العالم العربي منذ النصف الثاني من القرن العشرين قيادات يشار إليها بالبنان، قد نتفق مع نهج بعضهم السياسي أو نختلف، لكن لا يستطيع أحدنا أن يقول إن جمال عبدالناصر، والملك فيصل، وهواري بومدين، وصدام حسين والملك حسين قادة لا يشار إليهم عربياً وعالمياً بالبنان احتراماً واعترافاً بزعامتهم، في خصامهم وفي توافقهم كانوا رجالا، أما اليوم فكبار قادتنا مهمومون بترتيب البيت قبل الانتقال إلى الدار الآخرة والأعمار بيد الله، وانتهى عهد الزعامة والقيادة في الوطن العربي.
(1)
في الأسبوع الماضي احتفل الإسرائيليون والأمريكان بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى مدينة القدس، واعتبارها عاصمة الدولة الإسرائيلية حسب البيان الأمريكي، توافق ذلك الحدث مع هبة الشعب الفلسطيني لإحياء ذكرى النكبة بعد مرور سبعين عاماً على اغتصاب فلسطين، خرج الشعب الفلسطيني في غزة في مسيرات سلمية وبصدور عارية على مقربة من الأسلاك الشائكة التي تفصل القطاع عن بقية الأرض الفلسطينية المحتلة، وكذلك فعل إخوانهم في الضفة الغربية وأشقاؤهم داخل الخط الأخضر، وسارت مسيرات في الأردن وتركيا وبعض الدول الغربية وأمريكا احتجاجاً على تغول الصهاينة المسلحين على شعب أعزل من السلاح واعتبار مدينة القدس عاصمة إسرائيل.
في هذه الأجواء الدامية خرج علينا محمود عباس في اجتماع ضم معظم قيادات فتح وألقى خطاباً جاء فيه: إن مقر السفارة الأمريكية في مدينة القدس بؤرة استيطانية أمريكية، وان أمريكا لم تعد الوسيط الوحيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأمر باستدعاء سفير فلسطين من واشنطن للتشاور، وكذلك استدعاء أربعة سفراء فلسطينيين من بعض الدول التي اعتمدت نقل سفاراتها الى القدس، هذا تقليد للكبار لكنه عملا بلا تأثير.
ما حدث على الأرض أمر جلل، باعتبار القدس عاصمة إسرائيل، والقتل المباشر لما يزيد على 150 شهيداً، وجرح أكثر من ألفي إنسان في غزة بدم بارد. كنت أتوقع ان يرتقي محمود عباس زعيم السلطة الفلسطينية إلى مستوى الأحداث الجسام ويعلن في اجتماعه ذلك إعادة العلاقة مع غزة تضامناً مع مقاومتها السلمية ورداً على اعتبار مدينة القدس عاصمة أبدية لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، كنت أتوقع أن يطالب مصر بفتح المعابر وإنهاء حالة الحصار المضروب على غزة الباسلة، لكن مع الأسف لم يرتق إلى مستوى الأحداث ويرد الصاع صاعين لإسرائيل وأمريكا، وليس باستدعاء سفير هنا أو هناك، وللعلم لن يكون لذلك الإجراء أي أثر على الدول المعنية لأن السفارات الفلسطينية في الخارج سفارات لا وزن سياسي ولا اقتصادي لها.
(2)
الملاحظ أن صحف بعض الدول الخليجية أخذت مواقف مخيبة للآمال في الذكرى السبعين للنكبة، ولم يتناول البعض منهم مسألة نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس واعتبارها عاصمة إسرائيل الموحدة بالاحتجاج والرفض المعلن لكل مساس بالقدس وفلسطين عامة، بل إن بعضهم ذهب وكأنه مؤيد لإسرائيل وما تفعل ضد الشعب الفلسطيني.
كتب أحدهم قائلا: "إنه سيقف مع إسرائيل لو ضربت إيران، وسوف أساندها قدر ما استطيع، فإيران عدو وجودي"، كاتب آخر، وشخصية مرموقة، كتب تعليقا على المجزرة التي نفذتها إسرائيل في قطاع غزة يقول: "لو كانت مقاومة حقة للاحتلال لما تأخر أحد في الوقوف معها، كما يقف المرء مع صاحب الحق في كل مكان. لكن أن يكون كل ذلك مناورة إيرانية تنفذها حماس على حساب أطفال غزة، فذلك أمر مرفوض ."يا للهول! إن كان كل هذه التضحيات التي يقدمها أهل غزة عبارة عن مناورة إيرانية، سؤالي للكاتب المرموق، من يحاصر غزة أليست مصر والسلطة الفلسطينية وإسرائيل؟ وما دخل 2 مليون إنسان في غزة بإيران؟، قد أعرف الدوافع التي دفعت بكاتبنا إلى أن يقول ما قال.
لا خلاف عندي على أن إيران لها أطماع توسعية على حساب جوارها العربي، ولا خلاف عندي أن إيران لها خلايا نائمة منتشرة في دول الخليج وغيرها تنتظر الظروف الملائمة لتنقض على هذا القطر أو ذاك من الأقطار العربية، ولا خلاف عندي للتصدي لمشاريع إيران التوسعية على حساب الوطن العربي، لكني اختلف إلى حد بعيد أن أساوي بين إيران وإسرائيل، إيران دولة جارة بحكم الجغرافيا والتاريخ، دولة مكتملة التكوين ولا يمكن إزاحتها من المكان، أما إسرائيل فهي دولة تحت التكوين شعبها مستورد من كل فج عميق تعيش تحت حماية الدول الكبرى نظرا للضعف العربي، ولو كان العرب على كلمة واحدة وموقف واحد لتعايشت ايران معنا دون نوازع التوسع، لكن الخذلان العربي جعل ايران تستأسد علينا. وتستقوي إسرائيل علينا لأن بعض قادتنا ذهب لاسترضائها لكي يحققوا مصالح ذاتية كان يمكن تحقيقها باسترضاء الشعب وليس قوى خارجية، إسرائيل دولة مصنوعة (وعد بلفور) قابلة للتفكيك والإزالة لو توافرت إرادة عربية صادقة، وايران ثابتة على الجغرافيا لا يمكن إزاحتها وعلينا التعامل معها بالحوار لا بالاستعداء.
آخر القول: بعض كتاب الصحافة الخليجية يمجد في إسرائيل، وكأنها دولة شقيقة وهي في الواقع ألد الأعداء ولو امتدحت بعض من كتبوا لصالحها. الكاتب يحمل أمانة القلم الذي خصه الله بسورة في القرآن، فاتقوا الله وشرفوا أقلامكم بالدفاع عن أمتكم.