اتصل منذ يومين صديق لي ممازحا: «العالم يحبس أنفاسه لحظة بلحظة وسط تكتم كبير من قبل دوائر الانتخابات المصرية حول إعلان الفائز في الانتخابات»، ثم أردف قائلا: «اشعر بالحيرة لأول مرة في حياتي وانا عاجز عن التنبؤ بنتيجة الانتخابات المصرية»، هذا الحوار يعكس مجرى الانتخابات في مصر. فعوضا عن أن تتقدم مصر نحو انتخابات شفافة وتنافس بين مرشحين وخطط جديدة، انتهى الأمر في مصر بإعادة إنتاج السنوات الأربع الماضية.
لقد أدت الانتخابات المصرية للكثير من السخرية، إذ سيبقى في ذهن المصريين وذهن العالم أن تلك كانت أكثر الانتخابات صورية منذ ثورة يناير 2011. فمن شروط الانتخابات أن تقع في ظل تنافس معلن بين مرشحين مختلفين. لكن الدولة تدخلت لصالح المرشح الرئيس، في هذا تم سجن سامي عنان المرشح الأهم في المنافسة ورئيس الأركان السابق، وسجن معه فريقه الانتخابي الذي نظم بدايات حملته الانتخابية، كما وأبعد أحمد شفيق المرشح السابق والقائد العسكري ورئيس الوزراء السابق فور إعلانه عن نيته الترشح من دولة الإمارات إلى القاهرة حيث وضع في ظروف فرضت عليه الانسحاب من السباق الرئاسي. كما وانسحب المرشح الإصلاحي خالد علي المحسوب على ثورة 25 يناير، وذلك نظرا لغياب البيئة الحرة التي تسمح بتنافس حقيقي، أما المرشح أحمد قانصوه الضابط في الجيش فقد سجن لمدة ستة شهور بمجرد إعلانه عن الترشح. وأخيرا انسحب المرشح محمد أنور السادات وهو ابن شقيق الرئيس السابق محمد أنور السادات بسبب ظروف الانتخابات غير الحرة. هذه مجزرة سياسية، لم تصب المعارضة والإخوان المسلمين ممن يعاديهم النظام، لكنها أصابت النظام السياسي وعصبه الرئيسي في مقتل.
لقد أكدت الانتخابات المصرية بأن مصر تشهد تفاعلات كثيرة وبأن المجتمع المصري يبحث عن مخرج من الاقتصاد السلبي والفساد المتزايد والغلاء الفاحش وتراجع الجنيه وتآكل مكانة مصر الإقليمية، وصولا لخسارتها لسيادتها على قطع من الأرض يؤمن قطاع كبير من المصريين بأنها أراض مصرية. الحالة المصرية لن تكون صامتة في السنوات الاربع القادمة، فهي مليئة بالمفاجآت. هذا يفسر في جانب الأبعاد التي حفزت قادة عسكريين من صلب الدولة للترشح. لكن من جهة أخرى بلا حريات وحقوق وتطوير حالة مدنية لكل المصريين ستبقى مصر في مأزق مكثف.
لقد تجاوز عدد سكان مصر 100 مليون، بينما تواجه مشكلات تتعلق بالفوارق الطبقية وتراجع الطبقة الوسطى، وانتشار الفقر، والتلوث، وتراجع التعليم والصحة، والبطالة بين الشباب (البطالة 11 إلى 13?). هذه مشكلات تتطلب قيادة ديناميكية قادرة على التفاعل مع المجتمع وقادرة على التركيز على أولويات التنمية، بل يتطلب الوضع قيادة قادرة على إنجاز مصالحة حقيقية مع قوى المعارضة. النموذج المصري الراهن عسكري يخلو من الخيال والابداع، عقيدته الاقتصادية تخدم فئات محددة وتستند إلى سيطرة الجيش المطلقة على الاقتصاد. هذا النموذج الاقتصادي بشكله الراهن منتج بطبيعته للفساد والفقر.
ويقع كل هذا بينما النظام في مصر كما وإسرائيل يقومان بحصار غزة. لقد قامت غزة المحاصرة الجمعة 30 مارس بالتصدي للاحتلال الإسرائيلي وذلك من خلال مسيرات العودة ذات الطابع الشعبي والسلمي. مسيرات العودة التي ادت، يوم الجمعة الماضي، إلى 14 شهيدا من غزة وأكثر من ألف جريح، أضافت بعدا جديدا على حالة العجز التي يعاني منها النظام المصري، وذلك لأن مصر دولة عربية قائدة تخلت عن القيادة، وهي دولة تتأثر أكثر من غيرها بما يقع على حدودها، لكنها تخلت عن نفسها ودورها بفضل سياسة ركيكة تسير في ركب أكثر رؤساء الولايات المتحدة جموحا وتوترا وعنصرية.
الوضع المصري غير مضمون النتائج، وذلك نظرا لدرجة العنف المتضمنة في الحفاظ على موقع الرئاسة الراهن ونظرا لدرجة التردي في الحياة السياسية والاقتصادية، فإن كان لأي محلل من التنبؤ فإن مصر معرضة لهزات في السنوات الأربع القادمة.
*الوطن القطرية