رغم مرارة الحصار الذي تفرضه الرياض على دولة قطر بالتعاون مع أبوظبي والبحرين الأصغر سناً ، ورغم التعبئة الإعلامية في الداخل السعودي والخارج الدولي ضد دولة قطر ، ورغم نهش الأعراض، وقذف المحصنات في قطر من قبل صحافة وتلفزة وإذاعات ومغردي دول الحصار، ورغم التطاول على القيادات أصحاب السيادة في قطر ورميهم بكلمات ومصطلحات أترفع عن ترديدها ، برغم ذلك كله وأعظم ، إلا أن قطر، حكومةً وشعباً، لا يقبلون ولن يقبلوا بالمساس بأمن المملكة العربية السعودية ووحدتها وسلامة أراضيها أو التشهير بها في المحافل الدولية ، كما يفعل الثالوث الخليجي بقطر، لكن من حق أهل قطر التصدي للحملات المغرضة ضد بلادهم وقياداتهم ورموزهم الثقافية يشترط في ذلك أن تكون المقارعة بأدب جم والحجة المقنعة والالتزام بأخلاقيات الإعلام المهنية.
ولما كنا جميعاً أهل الخليج العربي نعيش في ظروف إعصار إعلامي يمتد من الولايات المتحدة الأمريكية مروراً بأوروبا، عابرا الشرق الأوسط وصولاً إلى أقصى شرق القارة الآسيوية، فإن على صحافتنا في قطر النقل إلى مواطنيها كل ما يجري في هذا الكون والمتعلق بدولة قطر ومواطنيها حتى ولو كان ذلك لا يلقى رضا لدى بعض النخب السياسية في المنطقة.
(1)
يوم الأحد الماضي إنهالت الصواريخ البالستية الحوثية على بعض مدن المملكة السعودية وبما في ذلك العاصمة الرياض ، وقوبلت تلك الحملة الصاروخية ضد المدن السعودية بالرفض المطلق والاحتجاج على ذلك الفعل المشين الذي استهدف سيادة الدولة السعودية ومواطنيها من قبل الشعب القطري وقياداته ، وأصدرت وزارة الخارجية القطرية بياناً رسمياً أدانت فيه إطلاق الصواريخ البالستية على المملكة السعودية، واعتبرت وزارة الخارجية في بيانها أن " تلك الهجمات الصاروخية ضد المملكة السعودية تعد انتهاكاً للقانون الدولي والإنساني وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ، خاصة قرار مجلس الأمن رقم 2216 المتعلق باليمن ".. وجددت دولة قطر رفضها لأية هجمات عسكرية أو إرهابية ضد المدنيين والمدن باعتبارها مخالفة لكافة الشرائع والقيم الإنسانية.
إلى جانب ذلك عبَّر معالي الشيخ حمد بن جاسم بن جبر وزير الخارجية القطرية رئيس الوزراء السابق عن استنكاره الشديد لإطلاق الحوثيين الصواريخ البالستية التي استهدفت مدن المملكة بما في ذلك العاصمة الرياض في يوم الأحد الماضي، مؤكداً أن هذه الصواريخ تمثل اعتداءً على جميع دول مجلس التعاون الخليجي ، وفي آخر بيانه آنف الذكر قال مبتهلاً إلى الله عز وجل : " أن يحمي المملكة العربية السعودية من كل شر".
(2)
هذه المواقف القطرية، خاصة في هذا الشأن آنف الذكر، تعتبر في تقديري رداً على كل السفهاء الذين أطلقوا التهم جزافاً بأن دولة قطر معينة ومساندة للحوثيين في اليمن ، والمؤيد لأي جهة كانت لا يمكن أن يُصدر ضد تلك الجهة إدانات وشجب لكل ما فعلت ، ولا يمكن أن يقول إن أفعال تلك الجهات " الحوثيين " تعتبر انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني والقرارات الدولية ذات الصلة.
إن دولة قطر كانت مؤيدة " لعاصفة الحزم " التي خططت لها القيادة السعودية وجمع الأشقاء لمناصرة قرارها العسكري الهادف في بداية العمليات العسكرية إلى دحر الباغين " الحوثيين " على السلطة الشرعية اليمنية بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي واحتلال العاصمة صنعاء وبقية المحافظات الجنوبية ، وقد شاركت قطر بقوات برية وجوية، جنباً إلى جنب، مع إخوانهم في الجيش السعودي على الحد الجنوبي للمملكة.
وقد عادت القوات القطرية من جنوب المملكة بناء على رغبة القيادة السعودية، وقبل ذلك كانت القيادة السياسية القطرية قد وضعت قواتها المسلحة تحت تصرف القيادة السعودية دفاعاً عن الحدود الشرقية للمملكة في قطاع منطقة الخفجي شرقي السعودية ، وقد أبلت القوات القطرية في الدفاع عن المملكة عام 1991 بلاءً حسناً كما شهد بذلك قادة الدولة السعودية في ذلك الزمان . إن الموقف القطري من الأزمة اليمنية كما اقرأه اليوم لم يتغير منذ إعلان "عاصفة الحزم " التي كان هدفها عودة الشرعية اليمنية إلى ما كانت عليه قبل سطو الحوثيين على الدولة اليمنية والاستيلاء على السلطة ، وتطبيق المبادرة الخليجية ، وقرارات مجلس الأمن وخاصة القرار 2216 ومخرجات الحوار اليمني ، وإنهاء الحرب الدائرة اليوم على صعيد اليمن الشقيق.
إن دولة قطر كما أعلم مع الوحدة اليمنية ، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية بالتشطير أو التفتيت إلى كيانات متعددة لأن ذلك ليس في صالح اليمن ولا في صالح دول مجلس التعاون وخاصة السعودية وعمان؛ اللتان ترتبطان مع اليمن الشقيق بحدود مشتركة ، كما أنها مع وحدة القُطر السوري الشقيق وعدم المساس بسيادته وأمنه ، وحق الشعب السوري العظيم في اختيار نظام حكمه واختيار قياداته بطرق ديمقراطية حقيقية ، وهذا حال قطر سواء كان ذلك في اليمن أو العراق أو سورية الحبيبة أو لبنان أو ليبيا الشقيقة.
آخر القول ..
إني أبتهل إلى الله القادر على كل شيء ألا يستمع أهلنا وقياداتهم السياسية في المملكة العربية السعودية إلى أقوال الحاقدين المغرورين بنشوة الثروة، الهمازين المشاءين بنميم، ليوقعوا بين قطر والسعودية . وأن يعلموا حق العلم أن أمن المملكة مرتبط بأمن دولة قطر ، وأن رفع الحصار عنها يعيد اللحمة بين الدولتين إلى ما كانت عليه أو أفضل من ذلك .