يعود الشيخ صباح بمبادرته لحل الأزمة، في ظل هذا الاشتباك المتزاحم، في سماء الأزمة الخليجية مؤخراً، ويُلاحظ المراقب هنا، مسارين ينطلقان في وقت واحد.
وقبل عرض هذين المسارين، سنقف على مسارعة الشيخ صباح، بأخذ إعلان دول المحور القبول بوساطته، على محمل الجد، وبالفعل أُعلن رسمياً، عن رسالتيه الموجهتين للدوحة والرياض، ولم يتوقف أمير الكويت، مع الزلزلة الاخيرة للحملات الإعلامية.
وهو ما يطرح سؤالا مهما، لماذا بادر الشيخ صباح بتفعيل مبادرته، بعد أن جمّدها إثر رفض دول المحور، ولماذا لم يتريّث، حتى ينظر في عواقب هذه الحملات الإعلامية الأخيرة، والحقيقة أن فهم هذا الموقف ينطلق من تقدير الشيخ صباح، الذي كان دقيقاً في المرات الماضية، وصعباً أيضاً، في مهمة تحقيق انكسارات في حدة الأزمة، وإدراكه أن الوصول إلى مرحلة فك الاشتباك ليست هينة.
ولذلك اعتُبر أن تجاوبه السريع اليوم، هو رسالة مباشرة لدول المحور، إن كانت هناك جدية لديهم، فالكويت حاضرة، إن رغبت الرياض وأبو ظبي بحل الأزمة، قبل قمة كامب ديفيد، ولم يُكشف عن مضمون الرسالتين، هل هو طلب لوقف الحملات الإعلامية، لتهيئة الأرضية، أم أن الكويت أصلاً، تدرك أن هذه الحملات، باتت جزءا من أصل المشكلة وليست على هامشها.
وأن الفشل المتواصل، في تحقيق أي اختراق لصالح دول المحور، ضد قطر، أوقفها عند حائط مسدود، لا يعوض إلا بحروب إعلامية شرسة، دون أي سقف أخلاقي أو سياسي، ولذلك لا بد من استئناف المبادرة مهمتها، ثم وضع الجميع تحت المسؤولية.
أما المساران اللذان تعيشهما المرحلة، فهما أولاً:
العودة إلى لغة البذاءة والتصعيد، وترديد أن الأزمة مع قطر هي صغيرة جداً، في ظل بقاء التصعيد الإعلامي، ومنع الارحام من ذويهم، يؤكد العكس، فالقضية التي تستنزف كل هذه الجهود، والتغطيات الإعلامية والجولات السياسية، هي دلالة بأنها كبيرة جداً لدى دول المحور، والدليل أنها مارست الضغوط، على دول عدة رسميا لقطع العلاقات مع قطر، وتم تبني ملف دعم قطر، لشعب حركة المقاومة لفلسطين، باعتباره دعماً للإرهاب، وتعزيزه مؤخرا بتصريحات رسمية.
فأين هي إذن الأزمة الكبيرة؟
غير التي مارست دول خليجية فيها، كل هذه الحملات السياسة والإعلامية، وقطعت الناس دون ارحامهم، ومعيشتهم من أرضها، وحفزت القبائل لثأر جاهلي، وكل أطقم الفنون والرياضة والوعاظ الدينيين ضدها، وأصدرت بيانا رسميا، يُعلن تعقب وسجن من يتعاطف، أو يرفض إدانة قطر أو يصمت.
أي مسألة صغيرة تفعل كل ذلك؟
وحين يُردد أي مسؤول أنها مسألة صغيرة، في ظل كل هذا الاحتقان، هنا يفهم أن إعادته المتتالية بأن مسألة قطر صغيرة، هو مؤشر تأزم وتوتر كبير، إذ لو كانت صغيرة، لما استدعت كل ما جرى، ولم يُعزل ما بين الشعب العربي بالخليج، وتقطع أرحامه بسببها.
أما اللوحة الثانية في ذات هذا المسار، فهو فتح الرد القطري، وهناك بلا أدنى شك تورط في اللغة من بعض المنابر، لا يقارن بما فعلته أطراف المحور، لكنه تغيّر عن السلوك القطري في أول الأزمة، ووسطها بعد الضغوط المتتالية، لكن الجديد كلياً هو مقاصد فيلم الجزيرة «ما خفي أعظم»، وربما تدشين حساب الشيخ حمد بن جاسم بن جبر، رئيس الوزراء السابق، في تويتر.
فإعلان قطر عبر فيلم الجزيرة الوثائقي، حتى قبل أن نطلع على جزئه الثاني، طرح قضية مهمة وحساسة، وهي أن قضية الخلاف هي في الأصل مشروع غزو منذ 1996، وخاصة ما ورد على لسان الأمير الأب الراحل الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني في شهادة فهد المالكي، ومخاوفه من تأميم قطر لصالح الدول المشاركة، وهو ذاته برز في سياق الأزمة الجديدة.
وكل ما نُقل في فيلم ما خفي أعظم، وتوبيخ أبو ظبي مجموعة المحاولة، وأن انكشافها لا يعني عدم التحرك ومهاجمة الديوان، وهو ما يعني أن المقصد اشتباك أهلي في قطر، يُهيّئ لدخول بقية القوات الخارجية، التي ستنفذ الضم القسري أو التأميم لدولة مستقلة، حسب ما عرض في الفيلم، وتصريحات القطريين من منفذي المحاولة، ومن الفريق الوطني المواجه لهم.
إننا لا نتحدث هنا، عن شرح مشاهد ومعلومات الفيلم الخطيرة، فهو يحتاج إلى مقال مستقل لكن المقصود، هو أن قطر عرضت أمام شعبها ولأول مرة، أن سيناريو الاجتياح في 2017، الذي كشف عنه الشيخ صباح، لم يكن لخلاف سياسي، بل نوايا مسبقة في 1996، قبل أي خلاف أو توتر، وقبل أن تُنشأ قناة الجزيرة، وأن ما جرى مؤخراً مربوط بتكرار هذا المشروع.
ولقد برز تباين لأول مرة، بين أبو ظبي وبين الرياض، في هذا الملف الحساس، على لسان الوزير قرقاش، حيث بادرت الأولى بنفي التهمة، رغم أن النفي ضعيف، وهذه نقطة تضاف إلى مسألة عدم تورط أبو ظبي، في دعم القوات البشرية غير التقليدية، والتي كانت تحفز من الأراضي السعودية، وإن ساندتها إعلاميا.
أي أن إمارة أبو ظبي وضعت لنفسها مسافة، أمام رفع هذا الملف للمنصات الدولية، خلافا للرياض التي لم تُبال، بما أشار اليه الأمير سلطان ولي العهد السعودي الأسبق ووزير الدفاع، من المسؤولية أمام القانون الدولي، حسب النقل المباشر لمشارك رئيس في عملية 1996، كان حاضراً في مجلسه الخاص.
وهنا تأتي مبادرة الشيخ صباح من جديد، في ظل تدفق هذه المعلومات، والتي قد تُقرأ أنها عائق، يضاف لتصعيد دول المحور الأخير، لكنها أيضاً ممكن أن تُقرأ، بأنها ذروة التوتر قبل أن تنكسر الأزمة كلياً، ويُرجح هذا تصريحات لندن ومبعوثي واشنطن، المتزامنة مع عودة المبادرة الكويتية.
وبالتالي هنا التوقيت مهم، فتحرك الشيخ صباح المباشر، قد ينتهي في ختام شهر مارس الحالي إلى خلاصة، وهي خلاصة صعبة، اذ أن عودة دول المحور إلى التخلص من الرد على المبادرة، وهو ما صرح به وزير خارجية نظام الرئيس السيسي، سيتحول إلى أزمة دولية رسميا، ويُدين دول المحور، التي ترفض الوساطة الدولية، بحجة وساطة الشيخ صباح، وترفض الاستجابة لوساطة الشيخ صباح، بحجة الأمن الدولي!
كل ذلك يتزامن مع اقتراب ملف أزمة ترامب، مع دور أبو ظبي السري، في الدعم غير الشرعي لانتخابه، والعلاقة غير القانونية مع صهره كوشنير، وبالتالي، الخلاص من ملف الأزمة يخفف على ترامب قضية دوره فيها، وعلاقته بأبوظبي من خلالها.
هي إذن بوصلة اختراق، أو اصطدام مع حائط رفض جديد، ولا نستطيع أن نجزم بشيء، لكن الأفق الدولي والإقليمي، والسياسي لكلٍ من دول المحور، لا يساعدهم على مناورة جديدة، ونرجو أن يساعد ذلك الشيخ صباح، لتحقيق آمال أهل الخليج المرهقة، في فك الاشتباك المر.
*الوطن القطرية