يدخل الحصار المفروض على دولة قطر شهره العاشر، والحال في الخليج العربي يزداد اشتعالاً ، القيادة السياسية في الكويت ما برحت تبذل مساعيها لرفع الحصار وإعادة اللحمة إلى الجسد الخليجي العليل، وقد أوفد أمير دولة الكويت مندوبيه محملين برسائل إلى قادة دول مجلس التعاون عامة .
الإدارة الأمريكية بدورها أوفدت شخصيتين أمريكيتين إلى المنطقة للاطلاع على آخر الجهود المبذولة لحل الأزمة الخليجية الراهنة، وذلك قبل أن يتوافد قادة مجلس التعاون إلى واشنطن بصفة فردية للقاء بالقيادة السياسية الأمريكية لهدفين، الأول العمل جميعاً على إنهاء هذه الأزمة الخليجية غير المبررة ، والثاني تنسيق السياسات الأمريكية والخليجية لمواجهة التطورات على الساحة الدولية.
(1)
المتابع للحراك السياسي في الدول الخليجية تجاه الأزمة الراهنة لا يرى في الأفق ما يبشر بنهاية هذه الأزمة في القريب العاجل وقبل أن تبلغ نهاية الحول الأول من عمرها. تنطلق بعض النخب السياسية في الخليج من اعتقاد لديهم بأن قطر هي الدولة الأغنى والأضعف وخلخلة جبهتها الداخلية بحملات إعلامية متعددة وباستقطاب أفراد يعتقد بأن لهم حضورا اجتماعيا داخل قطر، ويستطيعون إرباك المجتمع القطري لصالح دول الحصار، وبالتالي يحققون أهدافهم في الوصول إلى خيرات هذا البلد الصغير مساحة وسكاناً الكبير مكانة ومقاماً.
يردد بعض الساسة في دول الحصار أن الأزمة الخليجية الراهنة مع قطر ، هي أزمة صغيرة جدا جدا جدا ! فإذا كانت بهذا الصغر المتناهي في عرفهم فلماذا يجوب وزير الخارجية السعودي عادل الجبير عواصم العالم الغربي ويتنقل بين تلك العواصم في فترات قصيرة لا تزيد على أيام ويتحدث عن هذه الأزمة في المؤتمرات الصحفية التي يعقدها مع نظرائه الغربيين ، وإذا كانت أيضا بهذا الصغر فلماذا إصرار السيد عادل الجبير على حضور مؤتمر القمة للاتحاد الإفريقي ليلتقي بزعماء إفريقيا ليحدثهم على خطورة الدولة القطرية كما يزعم ، ولماذا ترصد أموالا طائلة لعقد الندوات والمؤتمرات في العواصم الأوروبية للحديث عن قطر بأنها مؤل الإرهاب وتأليب الرأي العام الغربي ضد دولة قطر، ولماذا تشكل لجنة وزارية بالإضافة إلى جهاز الاستخبارات لملاحقة قطر واستثماراتها وعلاقاتها بدول القرن الإفريقي وغيرها من الدول. وبهذه المناسبة كنت دعوت منذ أعوام إلى أهمية التواصل العربي بدول القرن الإفريقي والإكثار من الاستثمارات في تلك الدول لكي نحول بينها وبين الكيان الصهيوني كي لا يتسلل إلى هذه المنطقة الهامة للعالم العربي خاصة. إلى جانب ذلك يجد وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات السيد قرقاش في إصدار تغريدات وتصريحات بهدف النيل من قطر وتشويه سمعتها داخليا وخارجيا .
يذهب أحد السياسيين الكبار في السعودية إلى التصريح أمام وسائل الإعلام بأن الأزمة الخليجية مع قطر هي أزمة " تافهة " كما قال ، فإذا كانت تافهة فلماذا فرض الحصار وتأليب الرأي العالم العربي وبعض الدول الأوروبية ضد قطر وهي مسألة " تافهة " في تقدير الكاتب. إن الكبار لا ينزلقون إلى تلك الأقوال ويمكن يجعلونها لبطانة السوء من حولهم التي لا تقول إلا ما يجب أن يسمعه صانع القرار بل تردد أقواله ولو كانت مخالفة للأعراف والتقاليد . إما القول بأن تعداد سكان قطر لا يساوون سكان أحد شوارع القاهرة المكتظة بالسكان ، وان مساحة قطر تقل عن مساحة حارة من أحياء الرياض العاصمة . اعترف بأن ذلك قول صائب، لكن يا سادة، قوة الدولة ومكانتها السياسية بين الدول لا تقاس بالمساحة أو عدد السكان وإلا كانت الصين أو الهند أكبر من الولايات المتحدة الأمريكية أو الاتحاد الروسي، ولها السيادة على العالم . إن قوة الدولة، إلى جانب عوامل أخرى، تقاس بقدرة التأثير في سير العلاقات الدولية بالطرق السلمية ، وكذلك بقوة الإرادة والعزم عند صناع القرار في تلك الدول، والوحدة الوطنية بين مكونات الشعب الواحد ، وهذه الشروط مكتملة البناء والتكوين في دولة قطر.
(2)
تردد بعض قيادات دول الحصار على قطر، القول إن الأخيرة تتدخل في شؤونهم الداخلية ، لكنهم لم يوردوا دليلا واحدا على ذلك وكل ما ورد في شأن تلك التهم "أحاديث هاتفية" قد يكون بعضها مدبلج والبعض الآخر لا بد أن يؤخذ في سياق الحديث كاملا ، لكنهم تدخلوا ويتدخلون في الشؤون الداخلية لدولة قطر وقد أثبتت الجزيرة الفضائية تدخلاتهم ضد قطر ومحاولة قلب نظام الحكم في الدوحة عام 1996 وذلك بشهادة شهود بعضهم كان متورطا في تلك المؤامرة إلى جانب المذكرات الرسمية التي عرضتها الجزيرة الفضائية عبر برنامج " ما خفي أعظم " . وفي شهر يونيو العام المنصرم أحبكت دول الحصار مخططا رهيبا لغزو قطر عسكريا ، وحشدت الحشود القبلية وأرسلت قوافل عسكرية جوا إلى البحرين ، وكان الله الحامي لدولة قطر من اعتداء المعتدين وفشل مخططهم الرهيب ، ورحوا يصطادون بعض أفراد الأسرة الحاكمة في قطر تحت زعم أنهم معارضون لنظام الحكم في قطر، وأبرزوا بعض الأفراد على شاشات التلفزة في دول الحصار ليقنعوا الرأي العام بان العائلة الحاكمة في قطر منشقة ليبرروا تدخلاتهم في الشأن الداخلي القطري . وأعتقد أنهم قد أصبحوا على قناعة بأنه لا توجد معارضة تعمل ضد النظام السياسي القطري ، ولكن لا بد من المكابرة في هذا الشأن كي لا يظهروا أمام الشعب العربي في الخليج بان مشاريعهم ضد قطر قد باءت بالفشل.
(3)
المجتمع الدولي أدرك جيدا أن ما يروجه قادة دول الحصار وموظفوهم عن قطر كلام لا يمت إلى الحقيقة بصلة ، وأنها ادعاءات كيدية ضد قطر . وعلى ذلك أمريكا توقع مع قطر اتفاقيات وتفاهمات عالية المستوى وفي كل الحقول بما في ذلك محاربة الإرهاب وتجفيف موارده وكذلك فعلت قطر الكثير مع الدول الغربية وكان آخرها اتفاقيات وتفاهمات مع الحكومة البلجيكية ومع حلف النيتو بالأمس القريب ، وكذلك فعلت مع فرنسا وبلغاريا مؤخرا وغيرها من الدول وبذلك نقول إن المجتمع الدولي يشهد بنزاهة القيادة السياسية القطرية وصدقها في محاربة الإرهاب وتجفيف موارده وعدم التدخل في شؤون الغير الداخلية .
آخر القول : رددوا معي قول الحق "اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ? وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ? فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ? فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ? وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا" (43) سورة فاطر
*الشرق القطرية