كنت عائداً من رحلة خارج الوطن، وجلس إلى جواري في الطائرة مسافر عربي قاصداً شرق آسيا مروراً بمطار الدوحة، لمحني وأنا أقرأ في كتاب عنوانه "النار والغضب Fire And fury" الذي حقق أعلى مبيعات في عالم الكتاب في أقل من أسبوع للكاتب ميشيل ولف، أغلقت الكتاب لكي أريح عينيّ من القراءة.
سألني جاري المسافر معي على الرحلة، هل تصدق كل ما كتب في هذا الكتاب؟ قلت عندما أكمل قراءة الفصول التي تهمني استطيع أن أحكم، أما الآن فلا حكم لي على ما لا أعرف. سألني وما هي الفصول التي تهمك؟ قلت كل ما يتعلق بالشرق الأوسط وبالتحديد إسرائيل وصفقة العصر، وأزمة الخليج وحصار قطر، الحرب على الإرهاب كما يدعون في سورية والعراق واليمن وليبيا، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كما قلت لمحدثي جاء إلى أعلى هرم السلطة السياسية في العالم من بيئة لا علاقة له بالسياسة، تحيط به الشكوك كيف وصل؟. إنه تاجر مغامر بعيدا عن السياسة وميادينها، ومن هنا هذا الرجل يخيفني. إنه مربك للعلاقات الدولية، وقد يقود العالم إلى كارثة عالمية لا يعرف نتائجها إلا الله عز وجل.
(1)
لم يتركني جاري المسافر لحالي، عاجلني بسؤال عن رأيي في التحالف الإستراتيجي الذي وقع في واشنطن بين الولايات المتحدة الامريكية ودولة قطر؟ قلت تقصد الحوار الإستراتيجي، قال نعم. قلت لمحدثي: إنه كان ضرورة وطنية قطرية في ظل الظروف التي تحيط بدولة قطر، تحيط بقطر مجموعة من المخلوقات عينها على الاستيلاء على الخيرات التي حبانا الله بها، ومصادرة إنجازاتنا على كل الصعد داخلياً وخارجياً، نعم ، تحيط بنا دول قياداتها السياسية لا تعرف أبعاد ما تفعل تجاه قطر، تعتقد هذه الدول أنها تملك من القوة العسكرية والمالية والمكانة السياسية أكبر وأقوى مما تملك قطر، ومع الأسف أن قوتهم العسكرية التي يدعون بها متورطة في حرب في اليمن لثلاث سنين لم يحققوا نصراً واحداً يعتد به، كانت مهمتهم هناك هي دحر الحوثيين واستعادة الشرعية، فلم يدحر الحوثيون، ولم تعد السلطة إلى العاصمة صنعاء، وانقلب أكبر حليفين في حرب اليمن إلى التسابق على السيطرة على الأراضي المفيدة في اليمن، أقصد المنتجة للنفط والغاز والمعادن والموانئ البحرية وغير ذلك، البعض منهم راح يتمدد حتى الأشجار النادرة يقتلعها ويشحنها بحراً الى خارج اليمن. وسؤالي هنا هل التعاون العربي في اليمن على البر والتقوى واستعادة الشرعية وتحقيق الوحدة اليمنية الصلبة أم على الإثم والعدوان ونهب خيرات اليمن والإمعان في تفتيت وحدته واستقلاله وتجزئته.
(2)
قال جاري المسافر على الخطوط القطرية عبر الدوحة إلى شرق آسيا، ألا تشكل القواعد العسكرية الأمريكية في قطر خطراً على قطر والمنطقة والأمن القومي العربي؟ قلت: في كل دول مجلس التعاون الخليجي قواعد أمريكية وفرنسية وإنجليزية، بعض هذه الدول على أرضه أكثر من قاعدة ولأكثر من دولة، فهل القاعدة الأمريكية في قطر تخيف الأمن القومي العربي وبقية القواعد لا تخيفه، المنطقة يا سيدي تعج بها الأساطيل البحرية الغربية والأمريكية، والقواعد العسكرية كما قلت في كل مكان في دول الخليج العربي.
لا أنكر أنني لست من أنصار القواعد العسكرية الأجنبية على أي قطعة أرض عربية سواء في الخليج أو سيناء أو العراق وسورية وأي مكان آخر، إنها تشكل خطراً على الأمن القومي العربي في أي مواجهة مع إسرائيل على وجه التحديد. لكن يجب التأكيد على أن السبب الحقيقي للدفع بدولة قطر إلى توقيع اتفاقيات عسكرية مع الولايات المتحدة الامريكية مؤخرا، هو دول الجوار الذين فرضوا على قطر وشعبها حصاراً اقتصادياً ظالماً ولا ضرورة له، القيادة السياسية القطرية تدعو إلى اجتماع على أي مستوى لمناقشة الخلافات البينية ولكن أطراف الحصار ترفض اللقاء وتريد الإذعان لمطالبها غير الشرعية.
لقد أغلقوا كل المنافذ المؤدية إلى قطر، ولم نجد معيناً لنا بعد الله إلا إيران وتركيا، اللتين سخرتا مطاراتهما وموانئهما لنا لنستورد عبرها ما نريد، وبقية العالم العربي منشغل في أزماته، فماذا علينا أن نعمل حماية لنا وحفاظا على كرامتنا وسيادتنا واستقلالنا؟ أغلقت أبواب الأشقاء في وجوهنا، تحت اتهامات باطلة، وحتى الدول الغربية والأمريكية لم تأخذ اتهامات الأشقاء لقطر على محمل الجد واعتبروها اتهامات كيدية ولا أساس لها على صعيد الواقع، وفتحت لنا أبواب الأصدقاء أعني إيران وتركيا وبعض الدول البعيدة، وبالرغم من ذلك فما زلنا نطالب بتحرير الجزر العربية الإماراتية المحتلة من قبل إيران منذ عام 1971م (جزيرة أبو موسى، وطنب الكبرى والصغرى) وما برحنا نعارض سياسة إيران التوسعية على حساب الوطن العربي، أغمض جاري المسافر عينيه وغط في سبات عميق.
آخر القول:
لقد دفعنا الأشقاء الذين كنا نعتبرهم سنداً لنا وعزوة إلى غير اتجاهنا، وما برحنا ندعوهم إلى الحوار الصادق لنتغلب على كل الصعاب التي تواجه خليجنا العربي، مجلس التعاون الخليجي لأسباب حصار قطر يعيش في غرفة الانعاش فلم نسمع له صوتا، وهو يتنفس بأجهزة إلكترونية وقريبا سيفارق الحياة ما لم تعد المياه الى شرايين حياته، وعودتها لن تكون إلا بتدخل الملك سلمان آل سعود لإنهاء هذه الأزمة.