غدِت الحرب الدائرة في اليمن مُنذ نحو ثلاث سنوات كملف منسي يكاد يتوارى ضمن ملفات أكثر سخونة في بؤر مشتعلة بالمشرق العربي تحديداً عند أولويات دول الإقليم والعالم على حد سوا!
ونظراً لكثرة تداول يوميات الحرب فقد غدت أمراً عاديا ومجرد خبر عابر ولا يحظى باهتمام وقلق حقيقي في أروقة دهاليز السياسة ولعبة الأمم .
ووفق هذه التقاطعات لا يتوقع أفق قريب لأي حل سياسيا كان او حسماً عسكرياً فالأزمة الخليجية الحالية منذ يونيو الماضي لا يتوقع لها نهاية قريبة بل ثمة مؤشرات توحي بأنها أما تدفع لعمل عسكري او تراوح مكانها كأزمة ربما لشهور او قد تطول .. ومن هنا فكل بؤر المنطقة متداخلة مع هذه الأزمة الجديدة ، السؤل المهم هنا ما مستقبل الشعب اليمني المنكوب بحكامه وفق هذه المسوغات المتداخلة والمصالح المتشابكة .. حالة يأس وقنوط تخيم على المشهد اليمني والرأي العام اليمني الذي يقف موقف المتفرج اللبيب وكأن كل ما حدث ويحدث قدر مكتوب له.
كان اليمن بمنأى عن كل هذا لو لم تقفز ميلشيا الحوثي لاغتصاب السلطة بالغلبة والتأمر الخارجي ومن يومها انزلقت اليمن للمجهول فغدت اليمن ورقة مساومة إقليمية في عدة بؤر ساخنة ، لنتسائل كيف كان اليمن فيما لو حدث الشرخ الخليجي وقد تجاوز الفترة الانتقالية بنجاح ولم تكن حرب ! ؟
حيرة اليمنيين اليوم هو ان الحرب غدت نمطاً يومياً فلا يرون أملاً في حسم قريب او انفراج سلمي فثمة محاولة لتفخيخ اليمن بكل عناصر اللإستقرار، وجعل الأمل في عودة الحياة السياسية الطبيعية مستحيلاً ، بغرض تهيئة الملعب لنهاية المشهد بتدوير الدولة العميقة برعاية إقليمية .
يمن اليوم بعد نحو أكثر من ثلاث سنوات على سقوط صنعاء بين مطرقة انقلاب فاشل وشرعية تائهة ، ورغم ذلك فلا ينبغي أن يهرول الجميع لحلول ارتجالية فكفى بإخفاق المبادرة الخليجية واعظاً.
لطالما ردد الحوثيون مقولة السلام يصنعه الميدان، وهذه رؤية حقيقة وواقعية وفي الغالب لا منطق يعلو عن هذا، لان ما أخذ بالقوة بداهة لا يعاد إلا بالقوة، فمنطق الحوثيين هو القوة والاستقواء بالخارج.
ثمة ما يكفي من الأحقاد في اليمن لجعل الحسم على الأرض هوالخيار الوحيد ولكن هذا الحسم لا يأتي طالما الخندق المقابل لميلشيا الحوثي منقسم على نفسه ولعل معمعة وتباين التحالف هو انعكاس للقوى المتربصة خارج الشرعية وهي بقايا المؤتمر ورموز الحراك الجنوبي ففي مفردة الحراك فأن الشرعية تشترط حل ودمج قواته في الجيش والشرطة مقابل مناصب وزارية في الشرعية،فالانتقالي يريد مناصب وزارية في الشرعية مع الاحتفاظ بالمجلس كمكون جنوبي والاحتفاظ بالمليشيات التابعة له.
ولان لكل شئ نهاية فقد وصلت المفاوضات بالفعل لحالة انسداد الأفق السياسي لاختلاف رؤى الطرفان في ليسس للحلول فحسب بل وفي آلية ومرجعيات الدخول لهكذا حلول ، من طبيعة الأمم المتحدة إنها تبيع الوهم ..وكما أن ألضمّآن يلهث وراء سلام فأن اليمنيون كالغريق الذي يتعلق بقشة أمل بعد ان أنهكتهم الحروب ، بينما المتحاورون الهاهم التقاسم .. نعم اليمنيون سئموا حالة الحرب وحالة ألّلاسِلم .. ورغم ذلك يتعلق اليمنيون بوهم السلام وبالقبض على أثرٍ من سلامٍ يبدو بعيد المنال أو حتى من سرابه تنقلب المفاوضات في ترمومتر وبورصة التفاؤل والأمل الحذر بين عشية وضحاها.
لم يعد اليمنيين يثقون بميلشيا الحوثي التي استفادت من خلافات الصراع على السلطة ، فالحديث عن تفاوض ومشاركة لهذا الكيان المسخ غدا امرا غير واقعي ، فإذا كان حوارا لعام كامل انتهى بسقوط صنعاء وسقوط حكومة (التوافق) فيكف يطالب الحوثيين اليوم وبعد ما يقارب الأربع سنوات لإسقاطهم عمران ومن ثم مدناً أخرى مرورا بحرب لما يقارب الثلاث سنوات من الدمار وشق الصفي الوطني ، ثمة ما يكفي من الأحقاد في اليمن لجعل الحسم على الأرض هو الخيار الوحيد ، وطبول الحرب هذه ليست أمنيات الشعب اليمني الذي سأم الحرب ولا حتى الحكومة الشرعية بل إيحا طرفي الانقلاب الذين بحماقاتهم وشهوة الحكم جعلوا وطنهم في وضع لا يحسد عليه .
من ضمن أخطاء التحالف بأنه يمني طرفي الانقلاب في كعكة مستقبلية، يتناغم ذلك مع تأكيدات حكومية بضرورة إشراك الحوثيين بدلاً من التلويح بمحاسبتهم على جرائمهم. ويكفي خطأ قيادة الرئيس هادي بالسماح لهم بالانخراط في الحوار الوطني الشامل وهم مجرد ميلشيا واليوم يُراد شرعنة الانقلاب بتسوية هشة وفي حال اتفاق مفترض لن يكون سوى نسخة محسنة ومهذبة لاتفاق السلم والشراكة فكلاهما يخرجان من فوهة البندقية. ومن هنا فهؤلاء لا يعيرون اهتماماً بقيم السلام الحقيقي طالما ضمنوا تلك الوعود (تقاسم السلطة) وبالتالي فجبهة التحالف تضعف الحلفاء في الحكومة الشرعية التي يزعمون بأنهم شنوا الحرب من اجل استعادتها.
فلا سلام يرتجى ولا حسم يتوقع. فلا يعقل بعد كل هذا ان يفطر اليمنيون ببصلة بتقاسم السلطة والتأسيس لمحاصصة مفضوحة تحت عنوان التوافق. ومثل هذه الحلول لن ترى النور عملياً ولو نجحت في إبرام اتفاق مشبوه وستنجح فقط على الورق ولسان حال المواطن اليمني في سوقكم ما ارخص الإنسان!
ظهر الحوثيون على حقيقتهم تماماً دون مواربة، في جملة من السلوكيات ليس العسكرية والسياسية فحسب بل تعدى ذلك لاعتبارات اجتماعية واقتصادية غدت جلية في إيقاع الشارع اليمني مؤخراً، الذي أبدا حنقاً وتذمراً للحالة التي وصل اليها اليمن في كل تفاصيل حياته اليومية.
فالإشكالية ليست سياسية حتى يلهث البعض لاقتسام المناصب، ومن هنا خيراً للشعب اليمني ان يبقى في هذا الحال رغم مرارته على أن يتورط الوفد الحكومي في حل يبقي الحوثي مسلحاً ومؤدلجاً بعقيدته العدائية العنصرية يهدف لاستنساخ حزب الله في اليمن وفرض تيار "الثُلث المُعطل". وآنذاك ستتوارى أي مقاومة يمنية مستقبلاً لأنها ووفقاً لأي اتفاق مفترض لن تكون "مقاومة" بل ستندرج لمسمى حركة "إرهابية" وفق تعريف المجتمع الدولي. وهنا تكمن الخطورة، فاليمنيون لا يستفيدون من أخطائهم السابقة فتجريب المجرب ضرب من الحماقة !
لم يكن اليمنيون يتوقعون خذلان التحالف عندما ايدوا عاصفتهم في الشهور الأولى ، ولعدم انتقال مؤسسات الشرعية إلى العاصمة المفترضة عدن قد أثار شهية الإمارات للتدخل في المحافظات الجنوبية والشرقية . نكبة اليمن اليوم هي ان الشعب ضحية التنكيل به من قبل الغازي "الوطني" والخارجي ، بين شرعية ضعيفة وتحالف متخاذل شن الحرب تحت لافتة تختلف كليا عن ما يجري اليوم على واقع المشهد السياسي والعسكري
الهزيمة المعنوية الكبرى الذي تلقاها اليمنيين كانت بسبب ركونهم على التحالف .!
وبعد فشل المجلس الانتقالي في الجنوب على فرض رؤيته مستقوياً بأجندة خارجية تبارت رموز "الدولة العميقة "القابعة في ابوظبي سوى الأبواق الإعلامية او رموز تقليدية غدت إيقونة فساد نظام الرئيس السابق فأبو بكر القربي المستقوى بمن يعبث بعدن يطلق اقوي تهديد للرئيس هادي وتحالف الشرعية في اليمن متسائلاً هل ستبنى المواقف مستفيدة من الأخطاء و بهدف إنقاذ ما يمكن إنقاذه أو من منطلق زعيمه " عليً و على أعدائي !
محذراً بصيغة تهديد الضعيف " أنه وفِي حالة فشل اليمنيون والتحالف من وقف الحرب وإحلال السلام فإن حلاً دولياً سيفرض على الجميع ضمن صفقة إقليمية تعد"
ويشير تلميح الوزير القربي الجديد إلى تحالفات جديدة بين الأطراف اليمنية في الشمال والجنوب بعيدا عن الشرعية الحالية والأحزاب والمكونات الداعمة للشرعية ،القربي كسائر المؤتمريين يولون المؤتمر أهمية أكثر من الوطن بل وزعيم الحزب كان في نظرهم اهم من الحزب نفسه !
فالصراع الدامي في عدن كان محاولة لفرض حزب المؤتمر الشعبي العام بصيغته الماضية دون الاعتراف بالشرعية برئاسة عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية حيث تم الضغط على حكومته الشرعية في عدن لإرسال إشارة واضحة أن الشرعية باتت مهددة في المناطق المحررة.
معلوما بأن رؤية الشرعية والأحزاب المؤيدة لها تصر على عدم إعطاء أي دور لأي مكون سياسي يمني لم يعترف بالشرعية الحالية التي تدخلت قوات التحالف العربي لإعادتها عقب انقلاب الحوثيين .
وتلمح تغريدة الوزير السابق القربي حين قال " علي وعلى أعدائي " إلى أن الشرعية بصيغتها الحالية وقفت دون تحقيق رغبة أطراف إقليمية ودولية بتمكين حزب المؤتمر من الحلول الس وفي هذا السياق نرى بأن على الشرعية أن تدعوا كافة القوى السياسية لتحديد موقف واضح من مخرجات الحوار الوطني كأقل حد وعلى ضوء ذلك يتم تشكيل حكومة جديدة تدير الوضع السياسي والعسكري لاستعادة بقية المناطق من قبضة المليشيات الحوثية والشروع في تنفيذ مخرجات الحوار الوطني الذي توافقت عليه الأطراف اليمنية قبل انقلاب المليشيات الحوثية عليها .
ولهذا فأن المؤتمر هو لولب ومعضلة الدولة العميقة في عهد الرئيس السابق او بعد مماته باعتباره مسمار جحا في الفترة الانتقالية المفترضة التي وأدت ونتجت سقوط صنعاء ومن ثم هذه الحرب ، او حتى في يوميات الحرب على مدى ثلاث سنوات.
وفي هذا السياق نرى بأن على الشرعية أن تدعوا كافة القوى السياسية المتربصة بالشرعية وكأنها متخندقة في صف الحويين لتحديد موقف واضح من مخرجات الحوار الوطني كحد ادني ، في سياق الإقرار بالمرجعيات الثلاث المحلية والإقليمية والدولية لاسيما القرار 2216 وقد أكد ذلك وزير الخارجية في الحكومة اليمنية الاستاذ عبدالملك المخلافي وعلى ضوء ذلك بالإمكان تشكيل حكومة جديدة تدير الوضع السياسي والعسكري لاستعادة بقية المناطق من قبضة المليشيات الحوثية والشروع في تنفيذ مخرجات الحوار الوطني الذي توافقت عليه الأطراف اليمنية قبل انقلاب المليشيات الحوثية عليها .
* كاتب وسفير يمني