تتعامل الشرعية اليمنية مع العبث بحاضر ومستقبل اليمن الذي تقوم به دولة الإمارات وفقاً لقاعدة "دعوها فإنها مأمورة"، هذه القاعدة هي المرادف الآخر لسياسة "القتال بسيف السلم" التي أُستخدمت قبل أربعة أعوام ، حينها كانت مليشيات الحوثي تلتهم مديريات صعدة وعمران وحجة حتى وصلت إلى العاصمة صنعاء وكانت عواقب ذلك سيطرتها على مفاصل الدولة والانقضاض على الشرعية ومحاصرة رموزها الأمر الذي أدى إلى نشوب هذه الحرب المستمرة منذ ثلاثة أعوام والتي لم تحقق أدنى أهدافها المعلنة لكنها حققت دون شك الكثير من أهدافها الخفية.
جميعنا يعلم سياسة الاستعلاء والإذلال التي انتهجتها هذه الدولة بحق الشرعية ورموزها منذ وقت مبكر، إلا أنها -أي الشرعية- لم تكلف نفسها حتى إصدار بيان عتاب واحد، حرداً من تلك السياسات الحمقاء ، أما الآن فقد تحول الإذلال للشخوص إلى احتلال 80% من الأرض اليمنية بما فيها جزرها الاستراتيجية وشريطها الساحلي وما يمثلان من أهمية جيوسياسية بالغة، وصولا إلى الدفع بأدواتها للإنقلاب على الشرعية في عدن والمؤسف أن صمت القبور لا يزال سيد الموقف.
سكوت الشرعية اليمنية اللامبرر خلال الأعوام الماضية أوقعها في مأزق كبير وعميق إذ وجدت نفسها في بيئة ميدانية محاصرة كلية من قبل الإمارات وأذرعها العسكرية والدينية، في الوقت الذي لا تستطيع فيه الفكاك من التحالف الذي تقوده السعودية نظريا والإمارات عمليا ظناً منها أن مجرد الكلام سينهي آمالها باستعادة الدولة من بين فكي المليشيا الحوثية الهاشمية، وكانت النتيجة تمادي الإمارات أكثر فأكثر، إلا أن استمرار هذا الصمت المريب ستكون عقابيله كارثية على استقرار ووحدة اليمن وبقائها دولة متماسكة يمكن لملمة شعثها وتضميد جراحاتها فيما بعد.
الناقة المأمورة تلتهم كل شيء يا حمائم الشرعية، وتضرب وجود اليمن في الصميم، وإن كان تغاضيكم عن القهر والإذلال والازدراء الذي نلتموه منها بضغوط سعودية غير مفهومة، فإن السكوت على سياسة التفتيت والتمزيق للوطن اليمني سيضعكم في خانة الخيانة العظمى، وإن أفلتم من محاكمة الشعب اليوم، فإن التاريخ لن يرأف بكم، فما تقوم به هذه الدولة الناشئة تعدى كل الخطوط الحمراء وتجاوز كل معقول، سواء عند قيامها بتهجير السكان اليمنيين من الجزر والشريط الساحلي حتى يخلو لها فضاء إقامة قواعدها العسكرية، أو من خلال تجنيد جيوش من المرتزقة، عسكريا واعلاميا ودينيا، تستخدمهم في هدم كيان الدولة اليمنية وتقويض ما تبقى فيها من شرعية حكم قيل كذبا بأن الناقة قطعت آلاف الأميال لنجدتها ونصرتها وإرواء ظمأها.
كل هذا لا يعفي الدولة السعودية من مسئوليتها التاريخية تجاه البلد الذي جيشت عليه العرب والعجم وألقت فوق سمائه عشرات الآلاف من الأطنان المتفجرة وتسببت في قتل وجرح عشرات الآلاف من اليمنيين وتشريد الملايين منهم بذريعة استعادة الشرعية وتمكين قادتها من الحكم، لكنها لم تفعل شيئا حيال العبث الإماراتي، وسكوتها عن أفاعيلها هو بمثابة الرضى والموافقة على كل خطواته، وإذا كان الأمر كذلك وهو ما يراه غالبية الشعب اليمني، فإن حملتها العسكرية على اليمن لم تكن لانقاذ شرعية منقلب عليها، بل لإيجاد مشروعية للانقضاض على اليمن المنهك وتدميره وسحق شعبه وتفتيت لحمته الوطنية، والهيمنة عليه واحتلال مواقعه الحيويّة، وقد وجدت المشروعية لفعل ذلك في الشرعية ومن يمثلها، بكل أسف وحسرة وندم.
شخصيا، لم أؤمن يوما، ولن يكون ذلك ما بقي في العمر لحظة، بأن خيراً ما سيأتي من جارتنا الشمالية، سيما وأن كبواتنا مرتبطة بها ارتباطا سياميا، بدءاً بدخول الهواشم إلى اليمن وما أحدثوه من مآسٍ وآلام بحق الأمة اليمنية التي لا تزال تعاني من وجودهم حتى اليوم، مرورا بمواقفها من ثورة ١٩٤٨م وثورة ١٩٦٢م ودورها في اغتيال الرئيس الحمدي وتنصيب علي صالح رئيسا مرتهنا لها، ووقوفها ضد وحدة اليمن ودعمها وتشجيعها لحرب الانفصال وصولا إلى محاولة فرملة ثورة ١١ فبراير عبر مبادرتها الخليجية ومن ثم شن الحرب العبثية التي أحالت اليمن إلى أكوام من الجثث وركام من البؤس والجوع والحرمان.
ما يجب أن يدركه أبطال الهجن أن الانتفاشة الإماراتية التي تبدت في السنوات الأخيرة لن تطول، فمثل هكذا أدوار تتجاوز الأحجام مصيرها التلاشي والانكفاء. صحيح أنها تحدث ضجيجا وعصفا ذهنيا متراميا، وذلك شأن أي حدث يتجاوز استيعاب العقل والمنطق، لكنها في النهاية ستخضع لبلعمة ذاتية كامشة معها كل مفرزاتها، والتاريخ اليمني والعربي مليء بالعبر والدروس، فعندما تجاوز بعض ضباط الجيش المصري حدودهم في التعامل مع اليمنيين لحقتهم رصاص اليمني إلى ميناء الحديدة، وبعدما وجد أنطوان لحد نفسه بلا غطاء ولا نصير تلاشى مع جيشه الذي كان سمع وبصر ويد المحتلين لبلده وفر هاربا خارج وطنه وقضى بقية حياته نادلا في مطعم حتى وفاته ولا يستبعد أن يكون مآل عيدروس وشلال وغيرهما مثل ذاك المنتهى والمآل