قبل قرابة السنة من الآن ظهر الخلاف بين الإمارات والحكومة الشرعية اليمنية التي يقودها الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى العلن، وذلك مع وقوع اشتباكات في شهر شباط/فبراير المنصرم في محيط مطار عدن بعد إقالة هادي لقائد القوات المكلفة حماية المطار، المقدم صالح العميري، ونتجت عن ذلك اشتباكات بين قوات الأخير وقوات الحماية الرئاسية تدخّلت على إثرها مقاتلة إماراتية لدعم العميري، وهو ما كشف، عمليّاً، علاقة أبو ظبي بالتعيينات العسكرية، ونفوذها على شبكة من ضباط الجيش والأمن اليمنيين.
تكرّر الأمر بعد شهر من ذلك حين أقال الرئيس اليمني محافظ عدن، عيدروس الزبيدي، أحد قيادات «الحراك الجنوبي»، المدعوم إماراتيا، والذي ينادي بانفصال الجنوب اليمني عن شماله، وهاني بن بريك، قائد «الحزام الأمني» وهي قوة تشكلت أيضاً بدعم وتمويل إماراتي، وهو من القيادات السلفية، ومن تيار تستخدمه الإمارات لمواجهة نفوذ حزب «التجمع اليمني للإصلاح» (الإخوان المسلمون اليمنيون)، وإثر ذلك نظّم «الحراك الجنوبي» مظاهرة احتجاج صدر عنها ما سمي بـ»إعلان عدن» الذي يفوض الزبيدي تشكيل مجلس سياسي لإدارة المحافظات الجنوبية، الذي قام بعد شهر من ذلك بتشكيل مجلس انتقالي لإدارة شؤون الجنوب.
رئيس الحكومة اليمنية أحمد بن دغر الذي توقع في مقال له بعنوان «قبل فوات الأوان» قبل عام من الآن إن عدن «إما أن تكون بداية لمعالجة المشكلات، أو بداية لهزيمة سوف تكبر مع الأيام» اعترف أمس بأن ما حصل هو «انقلاب»، وبذلك تكون الخطة الإماراتية قد استكملت حلقاتها أمس مع سيطرة الموالين لها على مقر الحكومة المعترف بها، محاصرة بذلك الحكومة الشرعية بين فكّي الانفصاليين في الجنوب، والحوثيين في الشمال.
غير أن التساؤل الكبير الذي ما برح يتردد منذ انكشاف الدور العسكري ـ الأمني الإماراتي الواضح في اليمن هو كيف تبرر أبو ظبي عملها على تهشيم الحكومة الشرعية التي يُفترض أن «التحالف العربي»، الذي تقوده السعودية، يقدّم الدعم لها ويعمل على تمكينها من الانتصار على أعدائها.
السؤال الآخر الذي يطرحه اليمنيون أنفسهم هو: إذا كان دعم الإمارات للتمرّد الجنوبي يصبّ، بالضرورة، في مصلحة الحوثيين، ألا يعني ذلك أنه يصبّ في مصلحة إيران، التي تزعم أبو ظبي أنها تقاتل نفوذها في اليمن؟ ثم إذا كان حلفاء هادي، الافتراضيون، لا يستطيعون حماية شرعيته، فكيف لهم ادعاء أنهم يحاربون لحماية الشعب اليمني ومصالحه؟
التفسير الرائج لتخبّط الموقف السعودي في الدفاع عن حلفائه في اليمن هو الانشغال بعملية توريث عرش المملكة لوليّ العهد محمد بن سلمان، ولكن الحقيقة أن عملية التوريث نفسها، وما نتج عنها من تركيز مطلق للسلطات السياسية والعسكرية والمالية بيد وليّ العهد، لا تقلّ تخبّطا وخطورة من سياسة المملكة في اليمن، والأمر ينسحب على سياسات السعودية تجاه قطر، والأزمة السورية، ومصر وفلسطين والأردن ولبنان الخ… وبالتالي فلا يمكن فصل ما يجري في الداخل السعودي عن الخارج، فالأخطاء الاستراتيجية في داخل السعودية تستتبع وتتكامل مع الأخطاء الاستراتيجية خارجها.
أعان الله اليمن!