كنت الأول في دراستي وطالب الميكرفون في الطابور الصباحي، الذي تصدح حنجرته يوميا
بـ (الله – الوطن- الثورة - الوحدة) تحيا الجمهورية اليمنية.
هذا الشعار المدرسي شكل لي مربع مستقبلي، الذي لا يمكن أن أتجاوزه.
الله ... الذي أحبه وإن كنت مقصرا، لكن عاهدت نفسي في أي محفل أو عمل مكنني الله إليه، أن لا أسخر ذلك العمل إلا لرضاه، لذالك كنت دائما أسأله أن لا أكون هامشا في هذه الحياة، وأن يمنحني المكانة التي من خلالها أرضيه، وأُحيي قيم العدالة والمساواة، وأن نكون كراما كما علمنا، لا تخضع جباهنا إلا له، وما دون ذلك إلا تواضعا رغم الإرهاب والتطرف بمصراعيه، إرهاب يقتل باسم الله وهو أبعد بأن ينتمي إليه، وإرهاب يمارس بحق كل من يعتز بالانتماء إليه، لذلك كنت دائما وسأظل في وجه هؤلاء الصنفين.
الوطن ... هذه الكلمة الثانية في الصباح المدرسي التي تصدح حنجرتي بها لمدة عشر سنوات، ولدت عندي حبا لهذا الوطن الذي نضحي اليوم من أجله بكل ما نملك، فهو مظلة الجميع، وهو الأولى بعد الله بالحب والولاء والتضحية، هذا المصطلح الجميل الذي نعيش فيه هو البداية نحو الإيمان بالبلد والناس والحدود والأجواء والمنافذ والثروات والسيادة والاقتصاد، والأهم من ذلك هم الناس فالوطن هو الأرض بما تحمل.
الثورة... هذه الكلمة التي أشربتنا الحرية ونحن صغار، كنا نعيش قصة نضال لآباء رسموا لنا طريق الحرية نتج عنها اليمن الجمهوري، الذي استطعت في عهدها أن أدرس وأتربع كل يوم على مقدي مستمعا إلى شرح أستاذي.
ولأننا جيل آمنا بهذه الثورة، لم يحرمنا الله من أن يعيد المشهد من جديد، فكانت الحسنة الوحيدة لهؤلاء القادمين من خلف الكهوف، أنهم أعادونا للمشهد الظلامي من جديد، من أجل أن نعيش لذة الثورة، ونترجم قصص آبائنا وبطولاتهم إلى واقع نحن نعيشه الآن، رغم التضحيات لكننا جيل لنا تضحياتنا التي ستزرع جيلا حرا أبيا أكثر مما نأمل، فمنذ شرارة فبراير المجيدة التي رفضت الإمامة بشكلها الجديد المتلبس ثوب الجمهورية، تلك الثورة النبيلة قلبت الطاولة على أحلام الأسرة التي صارت اليوم بين قتيل ومعتقل ومطرود، نتيجة خبثهم وحقدهم حينما سلموا اليمن للإماميين القدامى، انتقاما من الثورة، فما نعيشه اليوم ليس لأن الثورة كانت خطأ بل لأن النظام واجهها بكل أساليبه القذرة، التي ستبوء بالفشل، ولن يبقى إلا اليمن الجمهورية الموحد الذي يكون فيه الصوت الأعلى صوت الشعب.
الوحدة ...وحدة القلوب التي لمت شمل اليمنيين فلن ننسى ذلك العلم الذي رفرف عاليا في سماء عدن والأنظار متجهة صوبه، والدموع تتساقط ممن كانوا حوله بغض النظر عن من صنعوا تلك اللحظة أو اخرجوها، فهي حلم اليمنيين الذي تحقق بعد حروب وصراعات كثيره عانها شعبنا اليمن في الشمال وفي الجنوب، تلك الصورة مازالت خالدة في ذاكرتنا، التي لن يغيرها سوء إدارة هذه الوحدة التي كادت أن تقتل تلك اللحظات الجميلة في قلوب اليمنيين، لكننا سنظل أوفياء لهذه الوحدة بشكلها الجديد في ظل اليمن الاتحادي الذي تشكل بعد ثورتنا العظيمة، التي ترجمت أهدافها مخرجات الحوار الوطني.
تحيا الجمهورية اليمنية ..كنا نختم بها و نرددها ثلاث مرت كل يوم، ومازالت آذاننا لم تنسى تلك الكلمات، فلتحيا الجمهورية خالدة إلى الأبد.
هذا أنا ذلك الطالب الذي بدأ يتشكل داخل ذلك المربع، وأصبح خط سيره الذي لا يمكن أن يتجاوزه، والذي تفوق بكل فصوله الدراسية بكل تألق، برغم التنقل من مدرسة لأخرى، باحثا عن الأفضل ومحافظا على موقعي ومكانتي.