باعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل في نهاية 2017 عوضاً عن عاصمة الدولة الفلسطينية أصيب العالم العربي بصدمة.. لقد عبر الاعتراف الأميركي عن دعم ترامب للموقف الإسرائيلي وتحديه للحد الأدنى من المطالب العربية التي أقرتها مبادرة السلام العربية 2002 واتفاق اوسلو 1994 القاضي بالتفاوض حول القدس والضفة الغربية وغزة والدولة الفلسطينية واللاجئين والمستوطنات.. لقد أنهى ترامب بضربة واحدة (وبسبب السكوت والتقبل الرسمي العربي) عملية السلام التي راوحت مكانها منذ انتهاء الانتفاضة الثانية في 2004..
لقد أعاد قرار ترامب للقضية الفلسطينية وهجها، فبعد أن كانت فلسطين العاشرة على الأجندة الدولية، إذا بها تتصدر الحراكات والاهتمام الدولي.. لقد حرك القرار الناس من المحيط للخليج وجدانيا وروحياً وسياسياً.
وتسيطر على إسرائيل الآن وبسبب صهيونيتها أيديولوجيتين، واحدة صهيونية دينية تعتمد النبوءة الدينية التوراتية بينما الثانية تعتمد على رؤية قومية متطرفة مصدرها الأمن والسيطرة.. المدرستان تمثلان الأغلبية الإسرائيلية اليهودية وتمثلان تداخل الديني بالعلماني والقومي بالاستعماري والتوسعي والعنصري.. والمدرستان تلتزمان بلا تردد بضرورة عدم الانسحاب من الضفة الغربية بالإضافة لاستيطان كل الأرض.. ووفق هذه الأغلبية فإن إسرائيل لا تنوي الانسحاب من الأرض الفلسطينية التي احتلتها خلال حربي 1948 ثم 1967، بل تسعى لتكثيف الاستيطان في القدس وفي الضفة الغربية.. وبينما انسحبت في السابق من غزة بسبب كثافة السكان، إلا أنها تضرب حولها طوقاً، وهي بنفس الوقت لن تنسحب من الضفة الغربية بسبب مبررات بعضها ديني والثاني قومي وثالثها أمني.
وتؤكد الأحداث بأن سعى القادة الإسرائيليين للانسحاب من الضفة الغربية والقدس (مهما كانت ظروفه) سيواجه بعاصفة من الرفض كما وبنزاع يهودي يهودي. إن اعتراف ترامب لن يغير من حالة الاستيطان في الضفة الغربية والقدس. فقد وضعت إسرائيل أكثر من 350 ألف مستوطن في محيط القدس، كما واستوطنت قلب القدس ووضعت أكثر من 350 ألف مستوطن في الضفة الغربية المحتلة، وفي الجوهر خلقت إسرائيل نظام للاستبداد والسيطرة في عموم فلسطين، هذا النظام ذو الطابع العنصري يخلق نقيضه المقاوم عند كل منعطف.
لقد أشعل ترامب من خلال قراره الوضع الفلسطيني، فالنضال الفلسطيني بصبغته المدينة والشعبية يفرز في كل أسبوع وسائل نضال جديدة. إن ظاهرة عهد التميمي، الشابة دون الثامنة عشر، التي نجحت في الجمع بين البراءة وتحدي الاحتلال بصلابة وشجاعة حولها لرمز للنضال. إن ظاهرة الأطفال الذين كبروا قبل أوانهم تحتل المقدمة في مسيرة التصدي المدني للاحتلال.. إن بروز حالة كعهد التميمي يحمل من الرمزية الكثير، فهو من جهة يكشف وجه الاحتلال الذي يقاتل الأطفال، لكن من جهة أخرى حالة عهد التميمي قوة منطق الحق في مواجهة تصدعات لغة القوة المجردة.. إن فضح صورة إسرائيل يصعب مهامها ويخلق تناقضات أكبر بين مؤيدي إسرائيل والرأي العام الدولي، كما أنه يخدم حركة المقاطعة.
الحركة الصهيونية حركة عدوانية تنطلق من رؤية دينية متطرفة توراتيا لا علاقة لها بحقوق الملكية الحقيقية لسكان البلاد الأصليين، كما ولدى الحركة الصهيونية رؤية قومية- أمنية تبرر مصادرة الأرض والحقوق كما وتبرر التوسع والعسكرة. ردة الفعل الفلسطينية على قرار ترامب أعطى بعداً جديداً للمقاومة بصفتها مواجهة مستمرة مع رموز ومؤسسات الاحتلال.. لقد أنشأت إسرائيل نظام للفصل العنصري في كل الأرض، وبنت بلا تردد نظام شامل وراء جدار يتحكم بكل نواحي الانتقال والسكن والحياة والاقتصاد والتملك والحقوق والعمل التي تخص الفلسطينيين العرب.. إن عودة الحركة الوطنية الفلسطينية في 2018 للاعتماد على أسس التحرر والمقاومة ضرورة من ضرورات الصمود في فلسطين، إنها الوسيلة الوحيدة لبناء مؤسسات صاعدة وخلق شروخ حقيقية في بنية التحكم والسيطرة الصهيونية.
*الوطن القطرية