قدر لي أن أحضر في يوم الجمعة 8 / 12 اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة عند مناقشتها البند الـ15 من جدول الأعمال المعني بـ" ثقافة السلام". كانت بيانات الدول الأعضاء إما في شكل مجموعات أو دول منفردة تحض على إشاعة ثقافة السلام ومبادئ الحوار والتفاهم والتعاون بين الأمم من أجل تحقيق الأمن والسلم بين شعوب العالم.
(2)
كان الغياب العربي عامة والخليجي خاصة واضحا وضوح الشمس، والذين تحدثوا من العرب أمام الجمعية العامة لم يتناولوا في كلماتهم من على منبر الجمعية العامة القضية الفلسطينية، مندوب البحرين على سبيل المثال في كلمته في الجمعية العامة كان يتحدث عن إنجازات ملك البحرين بالاسم وكذلك رئيس الوزراء وولي العهد وأشاد بمشاركة ولي العهد الأمير ناصر بن حمد آل خليفة في افتتاح مركز (شيمون فيزنتال) في لوس أنجلوس ــ كلفورنيا في نوفمبر الماضي، وهو مركز يهودي يميني موال لإسرائيل وعزفت الأوركسترا البحرينية "السلام الوطني الإسرائيلي" ووقف ولي العهد البحريني الميمون احتراما لرفع العلم الإسرائيلي وللسلام الوطني الإسرائيلي. كل ذلك تحت بند ثقافة السلام كما قال المندوب البحريني في خطابه المشار إليه. الملاحظ أن خطاب المندوب البحريني لم يذكر كلمة واحدة عن القضية الفلسطينية ولا عن قرار الرئيس الأمريكي باعتبار القدس عاصمة إسرائيل.
تحدث في الجمعية العامة وفي البند نفسه مندوب الكويت وعمان وسحب المندوب السعودي اسمه من قائمة المتحدثين في الجلسات التي حضرتها ولم يتناول المذكورون القضية الفلسطينية عامة والقدس وما لحق بها لاحقا من اعتراف أمريكي بأن القدس عاصمة إسرائيل رغم الاعتراف الدولي ومجلس الأمن بأن القدس مدينة محتلة من قبل إسرائيل ولا يجوز ضمها أو إجراء أي تغيير في معالمها طبقا لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة.
(3)
والحق أن الدولة العربية والخليجية الوحيدة الذي تحدث مندوبها في هذا البند هي دولة قطر، فقد أسهبت المندوب الدائم في الأمم المتحدة الشيخة عالية آل ثاني وقالت: "بما أننا نناقش اليوم بند ثقافة السلام فنحن في خضم التطورات التي تخص الشرق الأوسط، فإن تحقيق السلام يدعونا للتأكيد على أهمية تجنب أية إجراءات تتناقض مع هذا الهدف السامي، وأعني السلام المستدام، الذي يحتاجه العالم اليوم أكثر من أي وقت مضى. وفيما يخص الشرق الأوسط فإنه من دون حل القضية الفلسطينية سيظل السلام في المنطقة هدفا بعيد المنال".
لقد أعربت السفيرة الشيخة عالية آل ثاني عن أن دولة قطر ترفض رفضا صريحا واضحا الإجراءات التي تدعو إلى الاعتراف بمدينة القدس عاصمة لإسرائيل، وقد أشارت إلى الجهود التي تقوم بها دولة قطر لتحقيق ثقافة السلام وكان آخر الجهود القطرية في هذا المجال هو "البيت الثقافي العربي" الذي افتتحه وزير الخارجية نائب رئيس الوزراء الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني وسعادة وزير خارجية ألمانيا في برلين في نوفمبر الماضي والذي يهدف إلى تعميق التعاون بين الثقافتين العربية والألمانية.
(4)
عُرض أمام الجمعية العامة مشروع قرار تبنته دولة الإمارات العربية المتحدة وماليزيا تحت بند "ثقافة السلام" لم يتضمن هذا القرار أي كلمة عن فلسطين وما يجري على أرضها من أعمال عنف وعدوان إسرائيلي، ولعلها كبوة فارس، الأمر الثاني أن الفقرة العاملة الأولى في القرار المقترح تنص على "تعزيز الحوار والتسامح والتفاهم والتعاون، إلخ" وتؤكد ذلك الهدف السامي في الفقرة العاملة رقم الخامسة وتنص على "السعي إلى إبراز أصوات الاعتدال من خلال النهوض بالحوار والتسامح والتفاهم والتعاون".
لقد استوقفني ذلك النص المقدم إلى المجتمع الدولي وأثار عندي سؤالا إذا كان ذلك الأمر هو المطلوب فلماذا ترفض الإمارات الدعوة إلى الحوار والتسامح والتفاهم والتعاون مع جوارها القطري. سؤال يبحث عن جواب.
(5)
وفي اليوم المشار إليه أعلاه حظيت بحضور جلسة مجلس الأمن الدولي عند مناقشة "الحالة في الشرق الأوسط، بما في ذلك قضية فلسطين"، واستمعت إلى مداخلات الدول الأعضاء في المجلس وكان هناك شبه إجماع على رفض القرار الأمريكي باعتبار مدينة القدس عاصمة إسرائيل ونقل السفارة الأمريكية اليها، تحدث من العرب في جلسة مجلس الأمن المعنية مندوب مصر، وعبر عن "استنكار" مصر للقرار الأمريكي باعتبار القدس عاصمة إسرائيل ونقل السفارة إليها لا حظ سيدي القاري أن مصر الكبيرة تعبر عن استنكارها فقط للقرار الأمريكي بينما أدان معظم المتحدثين القرار الأمريكي معلنين رفضهم اعتبار القدس عاصمة إسرائيل، وتحدث مندوب الأردن وأسهب في الحديث عن هذا القرار الأمريكي رافضا نصه ومضمونه وعدم الاعتراف به وأنه سيخل بالسلام في منطقة الشرق الأوسط، وتحدث المندوب الفلسطيني شارحا الواقع وما سيؤدي إليه القرار الأمريكي من كارثة ستحل بالسلم والأمن والاستقرار الدولي. كنت أتوقع في مثل هذه الحالة أن يتدافع المندوبون العرب والمسلمون نحو إطالة اجتماعات المجلس ليتمكن أكبر عدد من المندوبين من المشاركة في مناقشات المجلس معبرين عن مواقف حكوماتهم تجاه القرار الأمريكي.
في قاعة الوفود في مقر الأمم المتحدة التقيت بعدد من مندوبي الدول الإسلامية وسألتهم لماذا لم تساهموا في مشاركة الحديث في مجلس الأمن عن شأن القدس؟ كان جوابهم كل على انفراد: لم يطلب منا العرب مشاركتهم وعلى ذلك اكتفينا بالحضور.
إن عبر ذلك العزوف من مندوبي الدول الإسلامية والصديقة عن المشاركة في مناقشة المجلس لقضية القدس والقرار الأمريكي باعتبارها عاصمة إسرائيل فإنما يعبر عن الحالة العربية وما وصل إليه الحال من تفرُّق المندوبين العرب لتفرق حكوماتهم وضعف دورهم لضعف دور دولهم لأن معظم الحكومات العربية رهنت استقلال دولهم وسيادتها لاسترضاء أمريكا وانعكس ذلك على الدول الإسلامية، وهكذا تضيع قضايانا.
آخر القول: تفرق العرب، واختلاف أهدافهم، وقسوة حروبهم البينية أدى إلى ضعفهم في الساحة الدولية وعدم أخذهم مأخذ الجد من قبل الدول الأخرى فتجاهلهم الصديق واستشرس العدو، هكذا تضيع حقوقنا العربية.
*عن الشرق القطرية