كان ينقصنا هذا الابتذال وهذي الدعاية الرخيصة التي دشنها بعض المثقفين خلال الايام التي سبقت مقتل صالح عندما ارادوا ان يصوروه كمخلص, ليستمر دورهم بعد مقتله ولكن ليأخذ هذه المرة صورة البطل.
أتفهم تعاطف الناس العاديين بعد مقتل صالح, فهؤلاء يعبرون عن مشاعر ثورية لم يجدوا متنفس حقيقي او سياق ثوري للتعبير عنها، كما اتفهم تشفي الناس العادين بمقتل صالح لطالما ذاقوا الويل على يديه وعلى يد قواته وحليفه الذي جلبه من كهوف التاريخ.
لكن هؤلاء المثقفين الذين يعرفون كل خبايا صالح, الذين يعرفون لماذا تحالف مع جماعة الحوثي ولماذا اراد الانقلاب عليها, ويعرفون أن موقفه من الحوثي لم يكن وطنيا ولا ثوريا, هؤلاء يعكسون في المجمل الطاقة القصوى لزمن الانحطاط الذي نعيشه. فهم غير قادرين على مصارحة انفسهم بحقيقة المأساة التي يعيشها الناس جراء سياسة الشر والجريمة التي امتهنها صالح طوال مسيرته وحتى آخر لحظة من حياته, لم يصارحوا أنفسهم حتى نستطيع أن نقول أننا على أعتاب مرحلة جديدة تتطلب مراجعة شاملة وعمل مختلف.
لكن يبقى الرهان على هذه الجماعة الفاشية التي أجبرتهم على أن يقفوا على الضد منها، فهي ستتكفل بمحاصرة هذا الابتذال الذي ينم عن عجز وحس مستهتر لا يرى في كل فرصة خلاص تتاح أمام الشعب إلا كمناسبة لترويج الدعاية الرخيصة التي يعتقدون ويا لسذاجتهم أنها ستحفظ لمتحف التاريخ دورا في مستقبل اليمنيين.
ها هي الجماعة الفاشية تقوم بحظر مواقع التواصل الاجتماعي وتمارس الارهاب والتنكيل بحق شركاءها وبحق الشعب على السواء, ما يعني ان أليات المجابهة اصبحت تتطلب قدر عالي من الجدية. فالمناطق الواقعة تحت هيمنة المليشيات الطائفية اصبحت اليوم تفترض آليات العمل السري. بينما المناطق الواقعة تحت سيطرة الشرعية اصبحت تتطلب قدرا من المسئولية للتعامل مع الاشكاليات التي تقيد سير المعركة وتنال من شرفها.
ثم هل حان الوقت لندع الموتى يقبرون موتاهم, ونتحرر من الاشخاص وعقد النقص, ونبدأ نفكر جديا بالسياسات التي قادتنا الى هذا المستنقع لمجابهتها بشجاعة وفرض بدائل تحفظ تضحيات شعبنا وحقه المشروع في مستقبل خالي من الاستبداد والهيمنة؟
هذا ما ستكشف عنها الايام القادمة. حتى الآن لا نزال نعيش مرحلة انحطاط في مستوى المثقف والنخب وحالة ثورية متوهجة عند الناس العاديين الذين لا يمتلكون ترف شيطنة الآخر أو محاولة الانتصار للمجرمين وكل أشكال اللصوص. في النهاية لابد ما ينتصر طرف على آخر. وحتى الآن نستطيع ان نقول ان القوى الثورية وجماهير الشعب تحرز تقدما مشرفا بلا أي سند يذكر.