التوقيت الذي اختاره الرئيس اليمني المخلوع العقيد علي عبدالله صالح لفك شراكته مع حليفه القوي (أنصار الله).. لم يكن بريئاً وإن كان مُتوَقّعاً, أقله بعد مواجهات الرابع والعشرين من آب الماضي, التي خرج منها "صالح" خاسراً وتراجعه (المُؤقت) عن المخطّط الذي كان ينوي تنفيذه بقوة السلاح, ما لبث تحت ضغط هزيمته العسكرية وافتضاح مشروعِه التآمري, أن اعتذر وابدى "غضبه" على بعض انصاره كونهم تصرفوا بحماقة دون علمه (....)، ما أجّل ولم يشطُب, السيناريو الذي تمسّك به صالح منذ تحالف "الضرورة" الذي جمعه بالحوثيين.
أحداث الاربعاء والخميس الماضيين، وخصوصاً أثناء التحضير للإحتفال بعيد المولد النبوي, كشفت..ضمن أمور أخرى, هشاشة تحالف كهذا واستمرار التوتر في علاقة طرفين, خاضا ست حروب "بمبادرة" شخصية وتخطيط من قبل علي عبداالله صالح عندما كان رئيسا شرعيا (...) لليمن, لكنه فشل في كسر شوكة الحوثيين بل منحهم قوة متراكمة, افضت في النهاية وبعد اندلاع ثورة 2011, الى بروزهم كأكبر وأقوى فصيل سياسي وحزبي وخصوصاً عسكري على الساحة اليمنية, الامر الذي أجبَر صالح على الاحتماء بهم, بعد ان فقد "شرعيته" لصالح نائبه (عبدربه منصور هادي), الذي يلحظ الجميع الآن غيابه او تغييبه عن الاحداث اليمنية, كون "الرئيس المزعوم انه "شرعي" لم يعد مطلوباً, في يمن ما بعد انهيار تحالف الضرورة الذي سدّد صالح له ضربة, ظن انها ستكون قاصمة ونهائية, فاذا به الان رغم الترحيب الإقليمي الحار الذي قوبلت به خطوته الانقلابية على حلفاء الامس، يُراوِح مكانه عاجزاً عن تقديم البضاعة المطلوبة للحوار, او الحصول على "عفو" او حتى البدء بترتيبات جديدة لإبقاء "آل صالح" في الحكم, او منحهم جزءا من كعكة اليمن المسمومة, التي وُعِدَ بها, ربما قبل إقدامه على "دعسته" الناقصة هذه, والتي قد تنهي دوره "الضعيف اصلا"، وتمنح دوراً متزايد الأهمية لـ"أنصار االله "وعلينا هنا ان لا ننسى التصريح اللافت, (الذي ضاع في زحمة الأحداث الدراماتيكية التي عصفت باليمن مؤخراً), والذي أدلى به وزير الخارجية السعودي عادل الجبير عندما قال: إن "من حق الحوثيين المشاركة في السلطة".
"مكاسب" علي عبداالله صالح الميدانية, التي قيل ان انصاره قد حقّقوها, يبدو انها لم تكن سوى انتصارات "تلفزيونية"، بدليل ان احداً لم يشاهد تلك المعسكرات والوزارات والأحياء التي زُعِم انها باتت في يد "محارِبي" حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه صالح.. فضلاً عن أن اي وسيلة إعلامية محايِدة, لم تدعم مزاعم كهذه، فيما يتحدث الحوثيون عن سيطرتهم على مواقع وأحياء عديدة وينشرون اسماءها وصور مقاتليهم فيها، ما يضع "الحسم" الذي قيل ان قوات صالح قد حقّقته في دائرة الشك, المفتوحة على احتمالات عديدة في الساعات القليلة المقبلة. اذا ما قرّر الحوثيون الذهاب ابعد من ذلك، في حال فشل محاولات الوساطة التي تقوم بها اطراف قبائلية وقوى سياسية وحزبية ودينية.
دعوة صالح التحالف العربي الى وقف "عدوانه" (كما قال حرفياً في تصريحاته) ورفْع الحصار وادخال المساعدات الاغاثية والطبية, مقابل فتح "صفحة جديدة" على قاعدة منح الشرعية لمجلس النواب (القديم) والعودة الى اوضاع ما قبل العام 2011) عام اندلاع الثورة الشعبية ضد نظامه العائلي الفاسد)... لم تلق اي استجابة حتى الان، رغم الاحتفاء الواضح من قبل وسائل اعلام التحالف, التي تتحدث عن "عودة اليمن الى حضنه العربي" ما يعني ان النظرة الى الحوثيين كونهم "ايرانيو التبعية والهوى" ما تزال قائمة. الامر الذي سيزيد من تعقيد الامور وارتفاع منسوب الخلافات داخل اطراف التحالف نفسه. بين مَنْ يريد او يَعدِ بإعادة الاعتبار ولو المؤقت لعلي عبداالله صالح (الذي غمَزَ بانه لا يريد السلطة.. لنفسه) او لبعض افراد عائلته, كما سُرِّبت انباء في آب الماضي عن "ترشيح" نجله "العقيد احمد" لقيادة اليمن "الجديد"، وبين مَنْ يرى ان شرعية "هادي" ما تزال صالِحة ولو لفترة قصيرة، حتى لا يخرج "صالح" منتصراً, ويبدأ وهو المعروف بمراوغته وتقلُّبِه... بِرفعِ شروطه, كونه قدم "البضاعة" المطلوبة منه, وهي الانقلاب على أنصار االله.
أوراق صالح الضعيفة أصلاً.. تزداد ضعفاً, بعد ان ظنّ ان فتح "صفحة جديدة" مع التحالف, ستكون في متناول يده مباشرة بعد فك تحالفه مع الحوثيين، إلاّ ان استيعاب أنصار االله لصدمة الانقلاب الأولى ثم امتلاكهم زمام المبادرة والإسراع بشن هجوم مضاد وقوِيّ, كما بات منزل صالح نفسه في "حي الدجاج" بالعاصمة صنعاء مرشحاً للسقوط (وربما تم أَسْر صالح او قتلِه), يشي بان المأساة اليمنية مرشحة للإستمرار وبعنف اكبر، ما استدعى من اسماعيل ولد الشيخ المعبوث الدولي لليمن, الدعوة الى استئناف المفاوضات بين الأطراف اليمنية, والتأكيد على ان الحل السياسي هو الوحيد الذي يجلب الهدوء والسلام.... لليمن.
نقلا عن صحيفة الراي الكويتية