ثلاث سنوات توشك على الإنتهاء، لكن حرب اليمن العبثية ما تزال تتواصل وترتفع فيها اعداد الضحايا والمصابين والجوعى, وأولئك الذين فتكت بهم الاوبئة.. وغيرهم ممن ينتظِرون، وسط صمت عربي مُريب ومخجِل, وتواطؤ دولي تفوح منه رائحة الصفقات العسكرية و"المنافع" الاقتصادية والمصالح الإستراتيجِية, ورغم ذلك... تتواصل رطانة "الطرفان" العربي وخصوصا الغربي, عن حقوق الانسان والعدالة والسلام والأخوّة وغيرها من المصطلحات المغسولة, التي لا رصيد لها على ارض الواقع.
واذ استعادت حرب اليمن المنسية بل الكارثية, حضورها الإعلامي هذه الايام, بعد الانباء التي تحدثت عن "إعفاء" المبعوث الدولي لليمن "الموريتاني" اسماعيل ولد الشيخ, من مهمته المتواصِلة منذ ثلاثة اعوام دون احراز اي نتيجة "عملِية" او ميدانية تُذكَر, اللهم سوى سيل التصريحات المتفائِلة (اقرأ المُخدِّرَة) التي كان يطلقها بين الحين والاخر, وبخاصة بعد "حوارات الكويت" التي غلّفها النسيان الآن (هناك من يتحدث عن انه هو الذي طلَبَ عدم تجديد عقده الذي سينتهي الشهر المقبِل) ما عكس ضمن امور اخرى, صحة الإنتقادات الإتهامِية التي كانت توجّه له, من قِبل الاطراف المنخرطة في الحرب اليمنية, تارة بانه منحاز لـِ"لانقلابيين" أي جماعة انصار الله, وطورا بانه تخنّدَق في متاريس الرئيس الذي ما يزال يدّعي الشرعية (هادي), حيث يُبشِّرنا الأخير بين فترة واخرى, بان "النصر" بات قريباً, رغم كل الخراب والدمار والموت الذي حل باليمن.. ما يعكس ضم امور اخرى, ان الدبلوماسي الموريتاني الذي خَلَف المغربي جمال بن عمر، قد سجّل لِنفسه فشلاً ذريعاً, ولم ينجح في إحداث اي اختراق جديد في جدار الازمة اليمنية, على النحو الذي سجلّه "سِتّة" مبعوثين اممين (حتى الآن) الى ليبيا, التي تعيش هي الاخرى – وشعبها – كارثة انسانية وفوضى مسلّحة, يكاد الصومال (العربي.. لِمَن يتذكّر) المنسي هو الاخر, يتواضع امام ما حل بذلك البلد العربي (ليبيا) من مآسٍ وفوضى, بعد ان نجح الاطالسة في اسقاط النظام السابق بتواطؤ وتشجيع ومشارَكة عربية مكشوفة, اسهمت جامعة عمرو موسى في إضفاء الشرعية (..) عليها.
لا تقوم مسألة نجاح مهمة هذا المبعوث الدولي او ذاك, على مهاراته ومؤهلاته الأكاديمية, أوخياله التفاوضي وقدراته وخبراته الدبلوماسية ومواهبه في التجسير على مواقف الاطراف المتنازعة فقط.. على أهمية ذلك، بل ثمة تأثير حاسم تمارِسه وتفرِ الىضه الجهات والدول التي تقف هذا الجانب او ذلك, فضلا عن دور القوى الدولية ذات الصلة والمصلحة في استمرار هذا النزاع/الحرب, واستثماره لخدمة مصالحها الاستراتيجية والتكتيكية, و كل ما يخدمها في "لعبة الامم" الدائرة حول هذا النزاع او تلك الحرب. ونحسب ان مصيرمهمة المبعوث الدولي"الجديد" لليمن, الذي يرشَح أنه البريطاني مارتن غريفثتس, لن يكون مختلفا عن مهام سابقيه, الا في "الفوارِق والديناميكية... الشخصِيّة" فحسب.
حرب اليمن العبثية لم تكن استثناء, ولهذا هي متواصلة من ثلاث سنوات رغم كل الضجيج المزيّف الي تمارسه الولايات المتحدة الاميركية, وما يواصل بعض دول الاتحاد الاوروبي الحديث عنه باستحياء وعمومية, وخصوصا الامم المتحدة, حول الجانب "الانساني" في الحرب اليمنية, وضرورة إرسال المساعدات وفتح الموانئ والمطارات والأجواء ورفع الحصار عن المناطق اليمنية كافة, دون ان يطرأ اي تطور ايجابي في هذا الشأن على ارض الواقع, اللهم سوى إطلاق المزيد من التصريحات والوعود التي... لا تُنفَّذ.
بصيص امل بدا مؤخرا, رغم تواصل الحرب والحديث عن فتح جبهات جديدة "تعِد" كلها "بتحرير" صنعاء وصعدة وتعز والحديدة, لكنها أوهام تتكرر باستمرار, فيما الوقائِع على الارض تشي بعكس ذلك تماما.
بصيص الامل هذا.. الذي "قد" يمكن البناء عليه اذا ما حسنت النيّات وصدقَت الاقوال والتصريحات, هو اعلان "التحالف العربي" عن "خطة" للإستجابة الانسانية, جاءت بعد اجتماع لوزراء خارجية دول التحالف جرت الدعوة اليه, للإعلان عن "خطة انسانية شاملة في اليمن، كتجاوب سريع, مع الدعوة التي اطلقتها الامم المتحدة" لتمويل خطة إنسانية بمبلغ 2.96 مليار دولار".
صحيح ان الخطة التي يجري الحديث عنها هذه الايام، ليست الاولى التي اطلقتها الامم المتحدة, بل سبقتها دعوة مماثِلة وإن بمبلغ اقل ( ملياري دولار فقط ) في العام الماضي، لكنها انتهت الى "لاشيء" بعد ان تمّت عرقلتها وبالتالي طواها النسيان وغيّبَها قصف الطائرات وهدير المدافع والحصار على الموانئ الغربية لليمن وبخاصة ميناء الحديدة, الذي تدخل من خلاله المساعدات الانسانية لليمن "كافة"..الا انها (هذه المرة) تبدو مغايِرة, كون استجابة "التحالف العربي" لدعوة الامم المتحدة جاءت سريعة كما هي لافتة ايضا, ما يبعث على التفاؤل "وإن في حذَر"، لأن التجارب السابقة لم تكن بحجم التفاؤل الذي ساد في حينه, ما لبث بعده مباشرة, أن تواصَل القصف الجوي والمعارك البرية والحصار.
لن يغفِر التاريخ لـ"عرَب اليوم" انهم أغلقوا عيونَهم وسدّوا آذانَهم وابتلَعوا ألسِنَتهم, إزاء كل الارتكابات والحروب والمؤامرات التي حاكها الحلف الصهيواميركي بمشاركة عربية مكشوفة ومفضوحة, ضد دول وشعوب عربية عديدة في سوريا وليبيا واليمن والعراق و خصوصاً فلسطين. وبالرغم من ذلك... تزداد رطانتَهم سطوَة وإنكارا وانسلاخا مكشوفا عن الجوامع القومية والمصير المشترك.
*نقلا عن صحيفة الرأي الكويتية.
*العنوان الأصلي للمقال: حرب اليمن العَبَثِيّة: «عربِيّان» فَشِلا.. فهل ينجح «المبعوث» البريطاني؟