تسيطر أحداث الاقليم وحروبه كما والأحداث المتسارعة المرتبطة بالمملكة العربية السعودية على أجواء الإقليم. هذه ليست أحداث عادية وذلك لان فيها من توترات الداخل والخارج ما يصعب قياس نتائجه على المدى القريب والمتوسط. فعندما تقع أحداث جسام تتضمن حروبا وانقلابات واعتقالات واسعة تستهدف دولا وقوى مجتمعية ونخبا رئيسية يصعب التكهن كيف سيؤثر كل من هذه العناصر في بناء حالة استنراف ونزاع مفتوح في المدى المنظور.
ان وضع اليد على الزناد يختلف تماما عن الضغط عليه، فما أن يطلق الرصاص حتى يتغير كل شيئ، هذه قصة الحروب والنزاعات المدوية والإجراءات المتطرفة في إندفاعها. في الأزمة الذاتية السعودية يقع تداخل أكبر مع الولايات المتحدة، ونظرا لدور هذه الإدارة ومكانة كوشنر /ترامب الإسرائيلية أصبح للسياسة الإسرائيلية دور أكثر وضوحا. لكن في الجانب الآخر دور إيران وتركيا وروسيا يخيم على الإقليم والمشهد. إن العالم العربي في هذه اللحظة التاريخية مخترق من كل الإتجاهات، وهو لهذا لا يقوى على أن يكون قوة لذاته ولنفسه. وهذا يضع العرب في دائرة هي الأصعب منذ تأسيس الدولة الوطنية الحديثة.
إن المخرج من المستنقع الراهن لن يكون عملية يسيرة. فبعض العرب خاصة في الدول العربية ذات القاعدة السكانية الصغيرة تسعى لحماية ذاتية من العاصفة تماما كما تفعل دولة قطر والكويت وسلطنة عمان، لكن ذلك غير ممكن بلا تحالفات إقليمية ودولية تساهم في تخفيف المخاسر وتقليل الضغوط وتعزيز الاستقلال. فقطر وجدت في إنفتاحها على تركيا وتحيد للعلاقة مع إيران والتمسك باعلامها المستقل كالجزيرة والتأكيد على الأمن الذاتي والخط السياسي المستقل وسيلة لحماية كيانها من مغامرة عسكرية كاد جيرانها ان يقوموا بها.
وقد انعكس هذا الوضع الذي أحاط بقطر على الكويت، فكل عنف لفظي وإجراءات مقاطعة وتهديد بحروب يخلق قلقا في الكويت وذلك بسبب تجربتها التاريخية مع هذا النمط من الأزمات. لقد اندفعت الكويت منذ أزمة الخليج للبحث عن حل لها، دون ان تهمل سعيها لتمتين علاقاتها مع المحيط كتعزيز العلاقة مع تركيا والسعي لتحييد إيران. الخوف في الاقليم هو سيد الموقف.
إن العصبية والعنف كتعنيف رئيس الوزراء اللبناني، ثم حصار قطر وحرب اليمن يخيف الدول الصغرى ويخيف كل القوى العقلانية في الإقليم. كما أن التصعيد مع إيران عبر السعي للضغط على الولايات المتحدة لإلغاء الاتفاق النووي واستخدام القوة يوتر الخليج ويرفع من درجة التوتر في الدول العربية التي حققت إيران فيها موقع تأثير مرحلي كلبنان والعراق وسوريا.
لهذا تشعر معظم الدول في الاقليم بخطر العسكرة والتجيش، ومن الصعب أن لا تشعر تركيا أيضا بأنها مستهدفة في الملف الكردي كما وفي حصار قطر كما وفي الانقلاب الذي وقع قبل ذلك على أردوغان في صيف 2016. إن إقتران كل هذا مع اعتبار إسرائيل حليفا ممكنا لبعض الدول العربية واعتبار إيران عدوا دائما يزيد من مشكلات الإقليم وتوتراته، فبينما يوجد نزاع مع إيران، إلا أن التعامل مع هذا الخلاف يتطلب تهدئة في اماكن وتماسك في أماكن أخرى واستراتيجية بعيدة الامد في جميع الأماكن. يجب ان لا يكون هناك مكان للتحالف مع الصهيونية التي تمثل حالة ظلم مستمرة، فالتحالف معها سينفجر عند المنعطفات، فهو تحالف لا يقوم على حل عادل وتنازلات حقيقية تصيب جوهر المشروع الصهيوني، بل إنه تحالف يقوم على الظلم واستمراره في فلسطين والقدس بكل ما لذلك من اثار وأبعاد.
هذه المرة الخوف ليس من ثورات كالربيع العربي، بل من السياسات التي تفتح جبهات وحروبا جديدة دون تقدير لعواقب تلك الحروب. لهذا تسود الإقليم أمواج من القلق. ويترجم القلق الآن عبر خروج رؤوس أموال، ومخاوف بين المواطنين، وبحث عن ملاذات آمنه وتحالفات جديدة. لقد دخلنا عاصفة مفادها العسكرة والبحث عن الامان المفقود في بحر سقطت في قاعه كل التوازنات.
*الوطن القطرية