اعتقال كبار الأمراء من عائلة آل سعود في المملكة العربية السعودية، بالإضافة لاعتقال الكثير من التجار ورجال الأعمال والوزراء السابقين في ظل مصادرة أموالهم وتجميد حساباتهم وانتهاك حقوقهم قد أضاف إلى سيريالية المشهد العربي.
ويتداخل هذا الوضع المأزوم مع استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، التي قدمها من المملكة العربية السعودية، مع كل التداعيات التي رافقتها كالإقامة الجبرية ثم السماح له بالسفر لفرنسا بعد الوساطة الفرنسية. ويعقد وضع الإقليم المشاهد التالية:
1 - حرب اليمن وتقسيمه بين شمال وجنوب مع فرض الإقامة الجبرية، كما يشاع، في السعودية على الرئيس اليمني عبد الهادي منصور.
2 - حصار قطر وقدرة الدوحة على تجاوز الحصار.
3 - حروب سوريا وليبيا والعراق.
4 - أوضاع البطالة والأوضاع الاقتصادية السلبية في العالم العربي وأسعار النفط المتراجعة وتراجع حالة الحريات والحقوق في طول البلاد العربية وعرضها.
هذه الصورة للوضع العربي تتناقض مع رؤية 2030 السعودية وخطة بناء سعودية مختلفة، وبالتالي شرق أوسط مختلف وهي تتناقض مع الوعود في عالم عربي أفضل يبحث عن التوازنات والحقوق، كما وتتناقض جذريا مع آمال الثورات العربية في التغير وفي بناء حالة عربية ديمقراطية، لهذا تؤدي التطورات المتلاحقة التي تشهدها المملكة لخلق حالة اهتزاز فيما تبقى من البيت العربي.
هذه تطورات ستضعف الخليج والوضع العربي أمام حزب الله وإيران وروسيا وإسرائيل والولايات المتحدة، لكن مع الوقت ستكون الحالة العربية عرضة لعنف وأيضا لثورات وحراكات شعبية ترفض هذه الأوضاع وهذا التآكل.
إن صورة الأوضاع العربية عبثية طاردة للسكان ولرؤوس المال، بل ومؤدية على المدى المتوسط والقريب إلى العنف، كما أن التقارير عن مشاركة أمنيين مصريين ومجموعات من منظمة بلاك ووتر المكونة من مرتزقة كولومبيين في التحقيق مع الأمراء ستترك أثرا كبيرا في المشهد، بل ستؤدي لعزوف أكبر عن الاستثمار. هذا وضع يخلق بذور معارضة بعد أن يتم استيعاب حجم ما وقع. المشهد السريالي سيبقى معنا مسببا المزيد من الحرائق. إننا في عالم عربي ينقض على نفسه بسبب روح المغامرة في صنع القرار. كان من الافضل الحفاظ على التوازنات وتفادي التصفيات والاعتقالات، والبحث في كيفية بناء انتقال سياسي يحفظ التوازنات، ويبني مؤسسات جديدة تسهم في بناء سعودية جديدة، وبالتالي خليج جديد، لقد وقع العكس.
وان كان لنا من العودة للتاريخ، ففي العام 1979 صعد صدام حسين إلى السلطة، وانقض بأسرع من البرق على كل من نافسه من رفاقه وأصدقائه، فقد بدأ عهده بالنار، وعندما لم يجد ما يوقفه، غزا إيران 1980، وعندما لم يجد بعد ذلك من يوقفه في الداخل، كما والخارج، غزا الكويت عام 1990. لقد بدأ صدام عهده بالنار وانتهى بالنار. فمع صدام قصة مؤسفة لحاكم عربي، لم يجرؤ أحد على الاختلاف معه. لقد أخذ صدام حسين، الذي حكم العراق بلا توازنات، العراق والإقليم العربي نحو كارثة محققة مازلنا ندفع ثمنها.
لقد كان قرار حرب اليمن قرارا متسرعا لم يدرس لا من قريب ولا من بعيد، ولم يأخذ القرار بعين الاعتبار بأن الحروب لعنة على من يتورط فيها، وأن التعايش مع المتناقضات أفضل من محاولة حسمها، لأنها لا تحسم. بنفس الوقت يصبح قرار حصار قطر هو الآخر قرار يتميز بتسرعه وخطورته على منطقة الخليج، إنه قرار استند إلى جبروت القوة وضرب بعرض الحائط كل فكرة حول التعاون والاستقلال الخليجي عن إيران وتركيا والولايات المتحدة. ذات الأمر ينطبق على قرار اعتقال الأمراء ومصادرة أموالهم وغيره من السياسات المدمرة للمملكة ولوحدتها ومستقبلها. إن ثمن ما وقع ستدفعه الشعوب العربية من استقرارها ومستقبلها، كما وستدفعه الأوطان والدول في الداخل والخارج. في هذه الفترة يستمر التدمير المنهجي للعالم العربي، لكن ان كان لنا من قراءة من عقر دار التاريخ: هذه أوضاع استثنائية يصعب أن تستمر، في المدى المتوسط، بلا ردود فعل سياسية وسكانية كبيرة.
*نقلا عن الوطن القطرية