منطقتنا على صفيح ساخن، وهي تزداد سخونة مع كل حدث. فهل ما وقع في المملكة العربية السعودية في الأيام الأخيرة من احتجاز لأمراء ورجال أعمال كبار وقبلها احتجاز وسجن لشخصيات ثقافية ودينية تحول طبيعي في الصراع على السلطة في لحظات الضغط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي؟.. في جانب منه هو كذلك.
ربما كان مقدرا أن تذهب المملكة في هذا الاتجاه في ظل نزاع الجيل الثالث على السلطة وفي ظل التغيرات الكبرى التي تفرض نفسها على المملكة كعصر ما بعد النفط والبطالة المنتشرة والمطالبات السكانية والحالة الملتهبة في الإقليم منذ 2011؟ فهل يمكن القول بأن الجيل الثالث من خلال الأمير محمد بن سلمان يسعى لتجديد نفسه عبر صناعة أحداث قد تنجح وقد تتعثر في حماية السعودية من تحولات متسارعة؟ ففي التاريخ الحديث انهارت دول بعد سياسات استفراد تحت مسميات الفساد أم صراع السيطرة، بينما وقعت دول فريسة ثورات وتفكك بسبب غياب المبادرة وضعف الإدارة. فهل ما وقع في السعودية في الأيام الأخيرة يمهد لتنظيم اقتصاد عرف عنه الانفلات والفوضى وتعدد مراكز القوى أم أن ما وقع في المملكة مقدمة لإعادة تدوير السلطة وأن دوران الحالة السعودية لن يتوقف عند أحداث الأسبوع الفائت.
ما وقع في السعودية فيه صعود كامل الأبعاد لسلطة أحادية، وهذا يختلف عن نظام الأخوة والأشقاء الذي ساد مرحلة ما بعد المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود. ويذكر الصعود بنماذج وقعت في التاريخ. إذ لا يختلف هذا الصعود عن السلطوية في مناطق أخرى في العالم، إذ يمثل بوتين على سبيل المثال نموذجا للسلطوية عبر التخلص من كل القوى المضادة له. لم يعد من الغريب في أوضاع دولية معقدة أن تنجح لأمد قد يطول وقد يقصر المشاريع المتناقضة مع المشاركة والشفافية وحقوق الإنسان والحريات، وهي مشاريع قد تحظى بشعبية إذا ما قدمت وعودا حول إعادة التوزيع وتنظيم الإدارة والاقتصاد والأمن وضرب النخب المتنفذة. لكن ذلك لن يكفي لبناء استقرار جديد.
إن نجاح النظام الجديد في المملكة في بناء شرعيته ستجعله خاضعا لفترة غير منظورة لقانون الشك بالمحيط العائلي. وقد سبق مجزرة الاعتقالات اعتقال علماء دين ودعاة واقتصاديين، وقد شكل الرابط بين هؤلاء جميعا أطروحاتهم النقدية الهادئة وميلهم الديني الإصلاحي. وقد لا تتوفر حلول لهذه الشروخ الجديدة، بل سيتحول بعض من أبناء الأسرة استراتيجيا للنقد، مما قد يقوي الصوت المعارض في مملكة لم يبرز في تاريخها حراك معارض جدي؟ إن اعتقالات الأيام الأخيرة وقعت في قلب الأسرة، وقد شملت لبنان عبر إبقاء رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري قيد الإقامة الجبرية في السعودية. لهذا الحدث أبعاد تتساوى فيها الفرص بين تهديد النظام وبين تجديد شرعيته وبين المدى القريب والمدى المتوسط والبعيد.
ويأتي الحدث السعودي بينما تخوض الدولة حربا دموية في اليمن، وتمارس سياسة حصار تجاه قطر، وتتواجه مع الإخوان المسلمين على الصعيد الإقليمي والعربي وتتصارع مع إيران وحزب الله حول دورهم الإقليمي، إذ يقع كل هذا بنفس الوقت. لقد دخلت السعودية مرحلة قد يصفها البعض بأنها تجديد للدولة بينما يصفها آخرون بأنها تقترب من نهاية الدولة التي عرفناها منذ حكم الملك عبدالعزيز آل سعود. حتى اللحظة الشعب السعودي بتنوعه يغيب عن المشاركة، فلسان حاله انتظار نتائج ما وقع في ظل بحثه عن دور لن يجد له متنفسا بلا مؤسسات تمثيل وضمانات حقوق وانفتاح على الحريات والمساحة العامة. نحن أمام حدث متعدد الوجوه ستبقى معنا آثاره وتداعياته لفترة طويلة قادمة.
*الوطن القطرية