هل هناك رابط حيوي بين تصريح وزير الخارجية الأميركي، وبين إصرار الشيخ صباح الأحمد أمير دولة الكويت على تجديد جهوده، لإنجاز اختراق نوعي في الأزمة الخليجية، رغم الحملة التي استهدفت الكويت من دول المحور، هذا سؤال مهم لفهم أين تقف تحركات الأزمة الخليجية، وهل هناك أي أمل في تفكيكها أو الوصول إلى قاعدة فك اشتباك فيها، وفق المعطيات الأخيرة، هنا مهمة هذا المقال.
وفي البدء نحتاج أن نضع جولات سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر الخارجية، في سياق استراتيجي للمرحلة، لفهم التحولات الثابتة لما بعد الأزمة، فسنغافورة وماليزيا، يُمثلان عضوين بارزين لمنظومة النمور الآسيوية التي نجحت في تحقيق استقرار تنموي وتقدم اقتصادي، عزّز الاستقلال السياسي لبلديهما، وهما هدف الجولة الأخيرة، وما يعنينا هنا هو اختيار البلدان، لهذه الزيارة حاليا.
والمعنى أنه يأتي ضمن مضي قطر، لتشكيل قاعدتها الاستراتيجية البديل، بعد انكشاف مجلس التعاون الخليجي، وسقوطه السياسي والاجتماعي والأمني، وأن هذه الاستراتيجية التي تعرضنا لها سابقاً، ستستمر بغض النظر عن تحقيق انفراج من عدمه في الأزمة.
فقرار صناعة الاستراتيجية الجديدة لقطر بات قراراً وجوديا لا سياسياً فحسب، ولذلك تتسارع الخطوات فيه، كما أن مؤشرات نجاحه في سلة التعامل الإقليمي والدولي ثم الآسيوي، ممكن رصد محطاته بوضوح.
هذا الأمر الذي دفع قطر لهذا التوجه، يُعطي بلا شك دلالات عميقة ومؤلمة، كيف يُشكّل الإصرار على رفض الحل السلمي المحترم للسيادة، تراكم خسائر لدول المنطقة، رغم أن المشروع الأصلي لاستهداف قطر، تكرر التأكيد العملي عليه، بأنه انتهى إلى حائط مسدود.
وأن الموقف الدولي يدعم فقط حل تفاوضي سياسي، وليس تسليم قطر لمصالحها الاقتصادية، ووضعها تحت الرهن الأمني والتأطير الإعلامي التوجيهي، الذي طالبت به دول المحور، هذا انتهى تماماً، كما أننا نشهد فشل مشروع تفجير العلاقات القبلية، التي وضح أن هناك التقاط متأخر لخطورته على السعودية قبل قطر.
عموماً هناك جدار تصطدم به الأزمة، تؤكده كل الأطراف، غير أن قطر تتعامل معه واقعيا وبتطوير مستمر، ويُلاحظ هنا مغزى تكثيف استهداف مصادر ابوظبي، بحسابات مقربة للحكم عبر شخصية قبيحة اللسان تركز على الاستهزاء بشخصية أهل قطر، وبالذات الطعن في أعراض نخبتهم، والتقاطع مع رسائل سياسية عبر محاولة الضغط المعنوي، للوزير قرقاش المكلف بمهمة الضغط الإعلامي الدبلوماسي، وهذا الطعن القذر هو الممهد لها، بأمل حصول تراجع في الموقف القطري، وهو مالم يحصل فلم تُعطي الدوحة أي مؤشرات لذلك بل العكس.
وما يَهمنا هنا في رسائل أبو ظبي هي استشعار الفشل، في هذا الضغط رغم لغة الانحطاط الداعمة له، ويُفهم هنا في سياق تقدم العهدة الاستراتيجية الجديدة لقطر مع موانئ عُمان، وما تعنيه من خسائر لأبو ظبي، فضلا عن جملة الاتفاقات التي تعقدها قطر، فلم تحقق توجهات هذه الحملات الإعلامية، ولا مسار قطع الأرحام الذي تبنته دول المحور، أي نتيجة، ولذلك فإن ما تسعى له هذه الحملة كقرار كسر لموقف كلي للدوحة، غير وارد اليوم، وتبقى مسارات التفاوض، هي المخرج الوحيد.
هنا نفهم توقيت وظروف هذا التحرك الجديد، المتزامن بين الكويت وواشنطن، فإصرار الشيخ صباح على عدم الالتفات إلى الحملات الإعلامية الموجهة ضد تحركه شخصيا، والمضي في جهود المصالحة، يُظهر إيمانه الشخصي بفرص الاختراق، ومحاولات أن يكون ذلك قبل موعد القمة، التي أُجلت دعوات حضورها، والثاني أن جهوده الأخيرة ركزت على الدوحة والرياض فقط. أما رئيس الدبلوماسية الأميركية، فقد تحدث وفقاً لبلومبيرغ بأكبر مستوى وضوح، منذ اندلاع الأزمة، عن تحميل دول المحور رفض الحل، ورغم أنه أشار إلى ابتعاد فرص الحل في هذه التوقيت إلّا أنه قال أن الجهود الأميركية ستتواصل، ويؤخذ في الاعتبار هنا أن موقف المؤسسات الأميركية في الخارجية والبنتاغون وغيرها، يتعزز أكثر في واشنطن.
ويتضاءل الرهان على موقف ترامب، الذي من الواضح أنه ترك فريقه السياسي يتجه مع موقف الحل للازمة، وإن بقي هو شخصياً يرسل مواقف، تضمن له ولواشنطن اجمالا تدفق مصالح كبرى، من اتفاقه القديم مع أبو ظبي والرياض، مع حضور إسرائيلي مهم يبرز خليجيا اليوم في مشهد الأزمة، يتحد مع موقف ترامب القديم ضد الدوحة، كما أن سياسة الابتزاز الأميركي المعروفة لها حظها من هذا التأثر.
لكن النقطة المهمة تركيز الوزير تليرسون على الرياض والدوحة، وبغض النظر هل نُسقت زيارة الشيخ صباح مع زيارة الوزير الأميركي أم لا، ورشح عنها موقف مباشر أو تأجل، فإن هذا التركيز على جذر الخلاف، الذي أشعلته أبو ظبي عبر سياسة عملت عليها لسنوات بين البلدين، وهو التقاط مهم لحبل الحل.
فقائمة الخسائر كبيرة، واستثمار الأطراف المتعددة لحملة المحور على قطر، والتي عززت دور القواعد الأميركية السلبي على المنطقة تتزايد، فضلا عن انهيارات الأمن الإقليمي للخليج العربي، لكن يبدو أنها بداية مهمة، لتخصيص المعالجة، في خلية أضيق للأزمة.
أما مالا يمكن الحكم عليه، فهو دور الصراعات الإقليمية والملفات الداخلية، على استمرار الأزمة، وعلى سبيل المثال مباشرة الشرعية اليمنية إعلان أنها تواجه حربا مباشرة مع أبو ظبي لاقتلاعها، ثم تطور موقف الرياض الذي اقترب من أبو ظبي حتى على الميدان.
وخاصة في ظل الفرز التنفيذي للجنوب اليمني، وهي حالة معقدة فإسقاط هادي وحكومته لا يضمن قيام مشروع كلي مع علي صالح والحوثيين، والخروج من اليمن وتكلفة مسؤولية الضحايا المدنيين، والتغول في الحرب ليس كالدخول فيه.
فلا يوجد سيناريو مضمون لأبو ظبي والرياض بعد إسقاط الشرعية، ووضع الرياض أخطر، فأبوظبي ستذهب بالموانئ والجنوب، والحوثيون سيذهبون بالحدود السعودية تحت تصعيدهم، وعليه فان تعليق القبول بالمفاوضات لحل أزمة الخليج العربي، أو فك اشتباكها بصراعات اليمن وليبيا، لا يعطي أي فائدة لدول المحور، بل خسائر مستمرة حتى في ملفات الرياض الداخلية.
عموما ستبقى كلمة السر اليوم في دعم واشنطن الصريح لمبادرة الشيخ صباح، والتي حين تُبلّغ لدول المحور بوضوح، ستقطع جهيزة قول كل خطيب.