كل شيء يبدو مثيراً للريبة في اليمن، فالأمور لا تتجه نحو النهاية الطبيعة للأزمة والحرب، والتحالف يتوغل أكثر في منطقة السلوك غير المباح، حتى أن المعركة اليوم تبدو وكأنها ضرب من اختبار الإرادات بين هذا التحالف وأطراف لا تقتصر على الانقلابيين فقط بل تشمل أيضاً قوى دولية وإقليمية ترقب الوضع في اليمن عن كثب وتنشط ضمن خلاياها وأدواتها لإعادة توجيه المعركة نحو مسار مختلف تماماً.
ولعل من أبرز ملامح هذه المعركة هو العمل على خط الأزمة الإنسانية، والمطارات والموانئ التي يراد إعادة تشغيلها تحت إشراف الانقلابيين.
خلفت الأزمة الخليجية التي فجرتها أبو ظبي والرياض والقاهرة والمنامة في وجه الدوحة، نتائج كارثية على سلوك هذه الدول، ولعل أسوا آثاره هي تلك التي نراها اليوم في اليمن، فالقوى الداعمة للشرعية التي تقاتل من أجل استعادة السيادة وجدت نفسها تفقد السيادة وتفقد حتى الحق في التعبير عن الرأي والموقف وتواجه تهماً بالتورط في أحلاف عسكرية وهمية مع قطر لمحاربة السعودية على نحو ما ينضح به إعلام السعودة الذي غادر طبيعته الساكنة والملتزمة ليتحول إلى مساحة غير محتملة لتسويق الادعاءات الفارغة.
وحين نرى هذا الحراك الذي ازدادت وتيرته على خط العلاقات بين الرياض والفصائل الشيعية العراقية الراعية الرسمية للحشد الشعبي المسلح في العراق تحت المظلة الإيرانية، لا يمكن للمرء ان يتجاهل أثر الأزمة الخليجية على سلوك كهذا، على الرغم من أنه ينذر بنتائج مأساوية أقل ما فيها أن الميلشيا الشيعية تتحرك اليوم في خط تحقيق أهدافها المدعومة من إيران تحت تغطية كاملة من الرياض المستهدف الأول من حروب هذه الميلشيات في العراق وسورية واليمن.
إن معركة التحالف في اليمن تكاد تفقد الحماس والحاضنة والتأييد الواسع من الشعب اليمني، على الرغم من أنها لم تفقد بعد الإجماع. والإشكالية هنا لا ترتبط بقصر نفس اليمنيين بل بخيبة أملهم، بعد أن رأوا الإمارات تنصب الخيام الفارهة لتعرض فيها صور شيوخها وترفع عليها أعلامها، في مشهد يغيب فيه اليمن ورموزه وسيادته.
حينما زار رئيس الوزراء مدينة المخا كان يتحرك بمفرده وسط غالبية من الإماراتيين العسكريين والمدنيين، ويخضع لبروتوكول الإمارات وهو الرجل الثالث في الدولة، ورأس الحكومة، في وقت تبدو الإمارات والتحالف عموماً في أمس الحاجة لتهدئة المخاوف لدى اليمنيين والعالم ايضاً عبر التأكيد على أنهم يعملون في إطار السيادة الكاملة للسلطة الشرعية اليمنية وليس من خارجها، ويتبنون أولوياتها لا أولوياتهم.
لا شيء يدل على أن السعودية حصلت على ما يكفي من الضمانات على أمنها بعد الحرب الجوية والأرضية التي تخوضها في اليمن منذ نحو عامين ونصف تقريبا.
فثمة حرب استنزاف تخوضها الميلشيا الانقلابية على الحدود اليمنية السعودية المشتركة، ولا تزال هذه الميلشيا ترسل المزيد من الصواريخ، والنتيجة الطبيعة أن المملكة تضاعف من حجم دعمها للمعارك التي يخوضها الجيش الوطني والمقاومة، في الجبهات الرئيسية الحالية وفي المقدمة منها جبهتا صعدة وشرق العاصمة صنعاء.
لكن ذلك لم يحدث فاستراتيجية التعاطي مع الجيش الوطني والمقاومة تقوم على مبدأ الاحتواء لا الدعم، وعلى التوظيف لا التفويض والإسناد الكامل وغير المشروطين.
لا شيء يمكن أن يرسم نهاية جيدة للحرب، سوى الحسم الكامل، هذا إذا كانت أهداف هذه الحرب حقاً استعادة الدولة وتمكين الشرعية من بسط نفوذها على كامل الأرض اليمنية، وإنهاء الخطر الوجودي للميلشيا المرتبطة بإيران في الحد الجنوبي للمملكة.
وفيما تلج السعودية المساحة الأكثر ضبابية في حربها على الأرض اليمنية، تمضي الإمارات قدماً في ربط مصير معركتها بالأهداف المتطرفة لواشنطن، وهي أهداف لا علاقة لها بالأولويات التي يناضل من أجل تحقيقها أنصار الشرعية وهم الغالبية العظمى من الشعب اليمني.
فأمريكا تريد يمناً بلا تنظيم القاعدة، هذا التنظيم الذي يكاد أن يتحول إلى كائن هلامي مراوغ، لديه قدرات سحرية على الاختفاء، ليس له كهوف كميلشيا الحوثي، ولا يمكن له أن يسيطر على مدينة دون تنسيق مع أحد الأطراف النافذة على الأرض، إلى حد يبدو معه هذا التنظيم مجرد لعبة خطيرة تمارسها الأطراف.
حينما سقطت مروحية تابعة للإمارات الجمعة الماضية كان السبب خللاً فنياً، أي أنه لم يتم إسقاطها فقد حدث لك في منطقة بعيدة عن المواجهات مع الميلشيا الانقلابية، فيما لا يوجد خطر حقيقي في مديرية الروضة الواقعة إلى الجنوب من شبوة، لا من التنظيمات الإرهابية ولا من غيرها.
إنها معركة نفوذ وسيطرة جيوسياسية واقتصادية، هي التي تحتل أولوية القوة الثانية في التحالف العربي، في الوقت الذي تنجز معاركها في جبهات أخرى بالتقسيط المريح ووفق أولوياتها هي وليس وفق الأولويات المعلنة والتي دخلت من أجلها إلى اليمن.
تتآكل سلطة الحكومة الشرعية، في الوقت الذي يتقلص نفوذ الانقلابيين على الأرض، والاستنتاج الذي يمكن أن يصل إليه إي مراقب، لن يتعدى حدود التقدير بأن هذا التآكل إما أن يكون نتيجة فشل الحكومة وعجزها أو أن التحالف هو الذي يعمل على تقويض نفوذ الحكومة الشرعية.
ولا أعتقد أن حكومة الحرب عاجزة بل تواجه قيوداً عديدة من التحالف من بينها أن الرئيس نفسه لا يستطيع العودة إلى عاصمته المؤقتة حتى الآن.
*عربي21