لمعسكر خالد بن الوليد دلالته ورمزيته الخاصة لدى السلطة المركزية في صنعاء القديمة والمتجددة، منذ أنشئ في مديرية موزع بمحافظة تعز وفقاً لأسس ومهام عدة، قتالية عسكرية وأمنية، كان يسيطر على ثلثي تعز من الناحية الغربية، كانوا يطلقون عليه اصطلاحا معسكر، لكنه في الحقيقة يُعد فرقة عسكرية متكاملة الهياكل والعتاد تحتوي على ثلاثة ألوية بقوام 12 ألف مقاتل، تنتشر من تعز حتى باب المندب وصولاً إلى لواء عبود في محافظة الضالع في الآونة الاخيرة، وكان يسيطر على أهم أجزاء تعز الحيوية خصوصا البحرية منها والطرق التجارية والأراضي الزراعية وطرق التهريب البرية والبحرية، وقد تولى قيادته منذ أن تم إنشاؤه سلسلة قيادات من منطقة جغرافية محددة نتيجة لأهميته الجغرافية كمعسكر وولاء قياداته العسكرية كقيادات.
وللعلم أن 90% من أفراد وضباط المعسكر من خارج محافظة تعز والحديدة المدينتان اللاتي يشتركن في أشياء كثيرة أهمها المدنية كسلوك والإنتاج كصناعة وزراعة، والإبداع على المستوى الفكري والسياسي.
معسكر خالد بن الوليد أحد أنياب السلطة الحادة والذي كان ينام في أعصاب الشعب اليمني ويشرب من دمه، لم يشارك في أية معركة دفاعية عن الوطن ومكتسباته سوى حرب صيف 94 المجنونة، حصان أصحاب الهوى والتسلط والنفوذ، قاتل فيه وبجواره حينها الكثير من ابناء الوطن، بقيادة العقيد حمود محمد اسماعيل المخلافي رئيس عمليات المعسكر الذي تولى قيادته واستشهد على إثرها بعد انسحاب أحمد فرج قائده الفعلي من المعركة لأسباب تتعلق على ما يبدو بالقدرة القيادية توقف قلبه عن النبض في حادثة سقوط الطائرة المروحية من طراز "مي 8" في اغسطس1999م والتي كان على متنها ايضاً الشهيد العميد محمد بن اسماعيل الاحمر بعد اقلاعها بأقل من دقيقة من موقع عسكري تابع لقيادة المنطقة الشرقية في منطقة العبر تبعد نحو 700 كيلومتر.
ولا أعتقد أن الأفراد والقيادات ذات السواعد المفتولة والوجوه السُمر التي اقتحمته تحمل في ذاكرتها شيء من ذلك التاريخ البائس عند قدومها من أقاصي جنوب الوطن لتحريره، ومن معهم من شباب الشمال لإعادته إلى حضن الوطن، لأن الزمان تغيرت قياداته ودار في الساحات دورته حتى صار أصحاب السلطة والقيادة مطلوبين والشعب هو الذي يقتفي آثارهم وينتزع أنيابهم الناشبة من على ظهره وروحه.
تولى صالح الضنين بعد استشهاد المخلافي قيادته مع نهاية حرب صيف 94 حتى تم إقالته على إثر خلافات تتعلق بالسلطة والنفوذ، صراعا بينيا لجغرافية محددة، كان الضنين رجلا لديه من القوة الشخصية ما لديه إلا أنه انحنى أمام قرار الإقالة الذي لم يرقه بداية، وكاد أن يتمرد عليه لولا تدخل الفريق على محسن حينها واقنعه بالتخلي والتسليم والانصياع للقرار كونه كان من أذرعته والمقربين منه، وتم وقوفه إلى جانب ثورة الشباب على إثرها مع الفريق على محسن وقياداته، ومن ثم تم إجماع أطراف السلطة على تولي جبران يحيى الحاشدي قيادة المعسكر خلفاً له.
كان هذا المعسكر بقرة سمينة للاحتلاب، لديه من الرديات من "معاشات الفرارات" والمؤن والوقود والتهريب البري والبحري والإتاوات ما يفوق الخيال، حيث كان يعمل على تأمين الطرق والمنافذ من كل شئ إلا من دوريات التهريب وشاصاتها والقوارب التي تتسلل ليلاً لتصب ما لديها في جيوب العيون الساهرة!!
بنى قادته القصور وشيدوا دولاً من الأموال المنتهبة في زمن إباحتها قانوناً وعُرفاً من قبل السلطات العليا كأداة لكسب الولاءات، عمىً سياسياً أخرق لا يمت إلى العقل والوطنية بسُلَمٍ أو سبب، خُزِنتْ فيه الاسلحة من كل صنف وحفرت فيه المخازن والأنفاق وبنيت في قلبه العنابر وانتشرت على جنباته الدشم وصنعت على أنكابه منارات الحراسة والمراقبة من كل اتجاه والمحيطة به من كل جانب، وكل ذلك استنزاف لأموال الشعب الفقير مالم تستنزفه حرباً من الحروب الاهلية في اليمن.
وبعد مشاركته في إحراق ساحة الحرية في تعز وتراجع جبران الحاشدي عن تأييده لثورة الشباب تم التوافق على تولي العميد عبدالله ضبعان من نفس الخلية والنسيج خلفاً لجبران بكبرٍ عظيم فتولى قيادة اللواء 35 حيث انتهت آخر جولاته وكسرت شوكته على أسوار محافظة الضالع فولى مدبراً من حيث أتى.
عاد معسكر خالد إلى يمنيته هوىً وهوية ولم يعد أداة للقمع ولا حامية للنهب ولا طريقاً للتهرب والتهريب والسجون والزنازين، أو مخازن لأسلحة تحصد أرواح المحتاجين من عسكره والمدنيين ممن حوله، انتشرت الجثث على آكامه وميادينه، وملئت الخنادق أحشاء القتلى ودمائهم في معركة لم تَفتُك بغير عسكره من كل مكان، قصة من الحزن صنع الطغيان فصولها ولن تنتهي عن قريب.