بدعوة كريمة من مركز قصد (مركز الدراسات العربية والتطوير) للمشاركة في مؤتمر خصص لدراسة أزمة الخليج الراهنة بين أطراف مجلس التعاون لدول الخليج العربية بهدف الوصول إلى استشراف مستقبلي لهذه المنطقة الحساسة والهامة من العالم.
مكان انعقاد المؤتمر في رحاب جامعة السوربون العريقة، تحدث أمام الحضور نخبة من أهل الرأي والفكر الاستراتيجي، وأصحاب تجارب عملية في مجال العلاقات الدولية أذكر منهم على سبيل المثال السفير الفرنسي السابق بيار لا فرانس، ايناس لوفالوا، رولان لافيت، وناصر الحنزاب، خبير قانوني بمنظمة اليونيسكو، وغيرهم.
(2)
اقتصرت مداخلتي في الحديث عن جذور الأزمة ما قبل 2014 وما بعدها، وصولا إلى الخامس من شهر يونيو/حزيران 2017، وفرض الحصار على دولة قطر وقطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية ودعوة مواطني الدول الثلاث (السعودية والإمارات والبحرين) لمغادرة قطر ومغادرة القطريين المقيمين في تلك الدول إلى قطر.
لا شك بأنه ترتب على ذلك السلوك غير المعتاد بين دول الخليج العربي أضرار بالغة هي اليوم مطروحة أمام منظمة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة. كما أن هناك أضرارا بالغة التكاليف لحقت برجال الأعمال وهي أيضا أمام منظمة التجارة العالمية. ذكرت بأن الهدف الحقيقي وراء هذه الحملة على قطر ليس لدعمها للإرهاب كما زعموا، ولا لتمويله، كما قالوا، لأنهم يعلمون أهم هم أساسا متهمون بتمويل الإرهاب من قبل أمريكا وأوربا. وإنما الهدف الحقيقي هو إلغاء محطة الجزيرة أو تحويلها إلى محطة تشبه العربية وفوكس نيوز العربية وغيرهما من المحطات الرسمية الخليجية. إنهم لن يقبلوا بحرية الإعلام . الأمر الآخر إفشال تنظيم دورة كأس العالم المقرر إجراؤها عام 2022 في قطر، وعدم القيام بأي أعمال سياسية تدخل في باب المساهمة في حل الأزمات العربية والدولية. إنها مواقف تنطلق من عجز تلك الدول عن القيام بما قامت وتقوم به قطر في المجال الدولي، إلى جانب الغيرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
(3)
ذكرت أن الدول الخليجية الشقيقة الثلاث لم تكن موفقة في فرض الحصار على قطر، ولم تكن موفقة في اختيار التاريخ والزمن، تاريخ الخامس من يونيو/حزيران تاريخ حزين وكارثي في تاريخنا العربي فهو يوم هزيمة/نكسة العرب جميعا عام 1967 والزمن مع طلوع أول ضوء في صبيحة ذلك اليوم. والحق أن المستشارين الذين هم حول صناع القرار في الرياض وأبوظبي، الذين حددوا التوقيت لم يريدوا خيرا بالدولتين آنفتي الذكر. لم ينُس ذلك التاريخ عام 67 رغم مرور الزمن، وما برحت جراحه لم تندمل رغم الجهود المبذولة لمحو ذلك التاريخ من الذاكرة العربية.
من حقي كمواطن عربي أن أتهم الذين أشاروا على قادتنا الميامين في الرياض وأبوظبي بفرض الحصار على قطر وتحديد موعده وتاريخه بأن لهم علاقة ارتباط بطريقة أو أخرى بإسرائيل، وسيكشف لنا التاريخ صحة قولي.
فيما يتعلق بتنظيم دورة كأس العالم في قطر هو في حد ذاته إنجاز للعرب كلهم وللخليج العربي خاصة، وإفشاله لن يعود بالنفع على من يطالب أو يعمل على إفشال تنظيمه في قطر وإنما سيثبت للعالم أجمع مدى درجة الحقد والغيرة عند بعض العرب. قد أقبل بطلب نقل تلك التظاهرة الرياضية العالمية من قطر إلى أي عاصمة خليجية في هذه الحالة الانتقال سيكون داخل بيت الأسرة الخليجية.
(4)
متى تنقشع سحب الصيف حالكة السواد عن سماء خليجنا العربي؟ الرأي عندي يسكن الجواب في الرياض، المملكة العربية السعودية. ملف الأزمة برمته في تقديري بين يدي سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان آل سعود. ابتداء، نال ثقة خادم الحرمين الشريفين بترشيحه لتولي العهد من بعده، ونال ثقة هيئة البيعة الملكية، ومن بعدها ثقة هيئة كبار العلماء وبايعته جماهير غفيرة من الشعب، وتلقى التهاني من الكثير من الزعماء العرب ومن بينهم أمير دولة قطر سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني رغم القطيعة، وكاتب هذه الزاوية أيضا.
الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي لديه مشروع كبير يهدف إلى الانتقال بالمملكة السعودية من وضعها الراهن إلى معراج التقدم والسمو وإحداث تنمية شاملة كما جاء في مبادرته 2030 ولكي يحقق أهدافه وطموحات البناء في الداخل فلا بد من تصفير جميع الأزمات التي تحيط بالمملكة جغرافيا.
في اليمن عليه أن ينجز نصرا عسكريا على الانقلابيين، وعودة الشرعية اليمنية بقيادة عبد ربه منصور إلى العاصمة صنعاء، ذلك هو الهدف الذي من أجله اندفعت عاصفة الحزم، بقيادة الئسعودية، ومن ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية شاملة يشارك فيها كل القوى عدا الذين يشهرون السلاح في وجه الدولة، أو يفرضون وجودهم بقوة السلاح، بمعنى آخر، أحزاب يمنية مدنية غير مسلحة تشارك في حكومة وحدة وطنية والمحافظة على الوحدة اليمنية وسيادتها وسلامة أراضيها، والمساهمة في إعادة إعمار اليمن.
في سوريا، يقتضي الأمر جهود سعودية جادة في تمكين مفاوضي المعارضة السورية التي رسمة خطتها وكتبت مشروعها في الرياض (مؤتمر المعارضة)، وذلك باستخدام نفوذها ومكانتها في المجتمع الدولي ولا تترك الأمر لروسيا وإيران تحدد مستقبل سوريا. العراق بعد الإطاحة بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الأنبار أولا ومن ثم الموصل، فلا بد أن يكون للمملكة السعودية موقف من الحشد الشعبي الشيعي الموالي لإيران في العراق.
(5)
ليس سرا بأن هناك خلافات سياسية وحدودية نائمة بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات وكذلك الكويت، على الرغم من الظهور اليوم بوحدة موقف الرياض وأبوظبي تجاه قطر. ومن هنا، فإن الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي مطلوب منه خطوة يخطوها نحو إصلاح العلاقة بين الدوحة والرياض، وعودتها إلى طبيعتها قبل الخامس من حزيران/يونيو الماضي.هذه الخطوة لا يقدم عليها إلا العظماء، ولا شك عندي بأن الأمير محمد بن سلمان آل سعود يريد أن يسجل اسمه بماء من ذهب في صفحات الخالدين العرب بإنجازاته وتفكيك الأزمات والعودة بها إلى طبيعتها. الخطوة التي أقصدها هي عقد لقاء بين سمو الأمير محمد وسمو أمير دولة قطر الشيخ تميم في الدوحة بأسرع وقت ممكن لتصفير هذه الفتنة القائمة، مرة وإلى الأبد.
آخر القول: الأمير محمد بن سلمان هو القادر على إنهاء الأزمة الخليجية الراهنة سلميا، وبكل مودة وترحاب. أجزم بالقول، وأنا العالم المجرب، إن قطر أكثر حرصا على أمن وسلامة واستقرار المملكة السعودية من أي دولة خليجية أخرى.
*الشرق القطرية