لطالما اعتقدت أن الحروب العبثية التي طحنت اليمن واليمنيين طوال العهود الماضية ، وآخرها هذه الحرب ، قد علمت اليمنيين أن طريقهم إلى الحياة المحترمة ليس عبر بوابة الحروب والصراعات الدموية ، وإنما عبر الاعتراف بالاختلاف واحترامه وإدارته سلمياً والاحتكام إلى الإرادةالشعبية التي تمتلك وحدها الحق في أن تقرر الصح والخطأ.
غير أن ما يبعث على الدهشة والاحباط معاً هو أنه لا يزال هناك ، وبعد كل هذه المآسي ، ومن بين من كان يعول عليهم في رفع البطاقة الحمراء في وجه الحروب ، من يحتفظ بضمائر لا زالت تعتبر هذه الحروب العبثية بطولات ، وترى أن الدمار المادي والمعنوي الذي ألحقته بالبلاد منجزات ، وأن قتل المختلفين وتشريدهم إنتصارات .. لا شيء أسوأ من الاستمرار في التخبط في تاريخ مثقل بالعيب .
لنختلف ولنقل في بَعضنا ما قاله مالك في الخمر لتسويق مشاريعنا السياسية ، لا ضير في ذلك ...لا نستطيع أن ننزه الكلمة أو حتى الغعل من القبح الذي يرافقهما في كثير من الأحيان في ظروف كالتي نمر بها ، ولكن علينا أن نتعلم كيف نتوقف بالاختلاف عند هذا الحد ، ونتعلم كيف نضع خطاً فاصلاً مع الخطأ الذي لا يجب أن يتكرر وهو اللجوء الى السلاح ، وأنه لتجنب ذلك لا مناص من العودة للناس كي يقرروا خياراتهم .
إن أكثر التعبيرات إحتراماً ووفاءً للجماهير هي أن نعود إليها في الوقت المناسب ، وبالآليات المناسبة المعروفة ، لتقرير خياراتها بدلاً من تجنيدها ودفعها إلى محرقة العنف والحروب .
ولن يكون ذلك ممكناً إلا إذا تخلصت هذه الضمائر عما تكنه من ود لتلك الحروب الملعونة دنيا وآخرة.