لا تطلب العون ممّن يريد أن تكون ضعيفا، ذلك ما قاله الملك ذي الكلاع الحميري لأقيال اليمن وأذوائها بعدما طلب العون والنصرة من الساسانيين "الفرس" لمجابهة قوات مملكة أكسوم التي حاصرت مملكته وشرعت في غزوها، لكنهم -أي الفرس- و بأسلوبهم الماكر المخاتل المعروف لم يلبوا طلبه ولم يرفضوه بل تركوه بين اللا والنعم، الأمر الذي جعل الملك ذي الكلاع الحميري يعتمد على نفسه ويخوض معاركه مع الأحباش وينتصر عليهم، موقنا أن أطماع الفرس كانت هي نفسها أطماع الأحباش وكلاهما يريدان يمنا ضعيفا تابعا يطأطأ الرأس ويرسل الخراج.
تلك إذن حكمة الأجداد، فطلب العون من الطامعِ ذلٌ يتبعه هزيمة، إذ من اللامنطق أن تجد دولة تريدك ضعيفا واهنا خاضعا لأوامرها، تقوم بنجدتك والانتصار لقضيتك إيمانا منها بعدالة القضية! حتى وإن لبت طلبك بغرض العون والنصرة ظاهراً فإنها لن تسمح لك أبداً بأن تكون قويا سيدا في بلدك، ذا قول وصاحب قرار.
ومن سوء الطالع أن ما طلبه الملك ذي الكلاع الحميري وفشل فيه وقال عنه قولته المشهورة، كرره حفيده سيف بن ذي يزن حين ذهب إلى الفرس طالبا منهم العون والنصرة لتحرير اليمن من الغزو الحبشي.
فبعدما وجد سيف بن ذي يزن نفسه في موقف ضعف فاقد الحيلة حيال استعادة ملك آبائه وأجداده من براثن المحتلين، لم يكن من أمره بدٌ سوى الاستعانة بأيٍ كان في سبيل تحقيق رغبته الجامحة لتحرير بلده، ولهذا فقد بدأ معركة تحرير اليمن من الاحتلال الأكسومي انطلاقا من الجنوب اليمني ومن حضرموت تحديدا، وكان قوام جيش التحرير اليزني المئات من نزلاء سجون الفرس ومجرميهم، ذلك التحرير المرحلي أدخل اليمن في نفق احتلال آخر أشد وأنكى من سابقه، وكانت الحصيلة دولة يحكمها "الأبناء" الذين قدموا مع بن ذي يزن، من وهزر إلى باذان إلى فيروز الديلمي بعد أن تخلصوا من سيف بن ذي يزن وسهلوا قتله، وأدى ذلك إلى تغلغل الأبناء في المجتمع اليمني وأصبحوا من آل بيت النبوة بعد ظهور الاسلام.
الأمر هنا ليس محض صدفة بل تاريخ يعيد نفسه وأحداث تكرر ذاتها بصور مختلفة تبعا لحركية التاريخ وتقلبات الزمن، فقد أعاد الرئيس هادي إلى الأذهان فعلة سيف بن ذي يزن، وتقمص "عيال زايد" دور "الأبناء"، وكانت بداية استعادة الدولة من الانقلاب من ضفاف الجنوب اليمني التي أناخت رواحلها فيها.
هادي الذي ذهب طالبا "الفزعة" من دولة كالإمارات آملاً منها المساعدة في إنهاء الانقلاب الذي قامت به الحركة الحوثية الإمامية الهاشمية، تحول استنجاده بدولة لها مطامع ومشاريع خفية إلى وبالا عليه وعلى اليمن عموما، فمن يريدك ضعيفا لن يفكر إلا في إضعافك ومن ثم استضعافك، وهانحن اليوم نشهد ذات الدور الذي لعبه "الأبناء" يكرره بوقاحة "العيال" من خلال تقويض السلطة الشرعية والتدخل الصلف في الشؤون الداخلية وصولا إلى محاولة التخلص من الرئيس هادي وإنهاء شرعيته التي كانت السبب في قدومهم لليمن طامعين و"محررين".
الشيخ زايد رحمه الله كان فعّال للخير سبّاقا إليه، وخلال فترة حكمة الممتدة لأكثر 38 عاما كان ذلك العربي الأصيل الذي تسكنه النخوة والشهامة وتملؤ روحه الفضائل والقيم، فلم يسعَ يوما لتقويض دولة ما أو تشريد شعبها بل مد يداً بيضاء للجميع وحمل قلبا ثلجيا تجاه الجميع، ولا ننسى ما قاله بعدما نما إلى علمه اغتيال الرئيس الحمدي حيث قال " إن الأيادي التي امتدت إلى ابن الأمة العربية المخلص الشهيد إبراهيم الحمدي، هي أيادٍ غاشمة أثيمة، تتربص دائماً بأبناء الأمة العربية المخلصين، أصحاب العزائم والمنجزات الكبيرة"، ولمثل هذه المزايا والصفات كان يفترض بعيال زايد التمسك بها والوقوف في الجانب السليم من التاريخ الذي كان عليه المرحوم زايد طيلة حياته.
يتحدث اليمني القارئ لتاريخ بلده بفخر عن ملوك اليمن وتبابعتها ويتغنى ببطولاتهم في كل حِقَبِه وعصوره ، لكنه حينما يأتي على ذكر الملك سيف بن ذي يزن ترى لسع المرارة في لسانه المثقل بالحسرة والأسى، ذلك أن اليمني لديه عقدة "يزنية" محورها استبداله لإحتلال أسمر البشرة بآخر أبيض البشرة إجرامي السلوك والطباع.
ما يأمله اليمني ويتمناه ألا تكون مرارة الحديث عن هادي كتلك، فقدر اليمن لا ينبغي ان يكون مرهونا بين مصائب "الأبناء" وأطماع "العيال".
ويبقى السؤال، سؤال اليوم والغد، السؤال لقيادة الشرعية وأربابها، هل فعلاً ستكون اليمن ضحية "للعيال" كما كانت ضحية "للأبناء" ؟ سؤال يطرحه بإلحاح الكثير من الشباب اليمني الذين يعصرهم الألم حزنا على وطنهم الجريح ويكويهم لظى البين والبُعاد عن الأهل والديار صبح مساء.