أثار إطلاق كتيبة «أبو بكر الصديق» التابعة للجنرال الليبي خليفة حفتر سراح سيف الإسلام، النجل سيء السمعة للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، بالاستناد إلى قرار «عفو عام» صادر عن برلمان طبرق، شرق ليبيا، وما تبع ذلك من أحداث، دهشة المتابعين الليبيين والعرب للحدث بسبب ملابساته الغامضة وتنافيه مع العدالة التي هي أهم مطاليب الليبيين الذين ثاروا على حكم جمع طاغيته الراحل وأبناؤه، وعلى رأسهم سيف الإسلام المذكور، أشكال الاستبداد المتنوعة مع أمراض جنون العظمة والكرنفالية الفظة والفساد، الأمر الذي جعله شخصاً مكروهاً في أصقاع الأرض وسمح، في حالة نادرة، باتفاق أصحاب الأمر وصولجان الفيتو في مجلس الأمن على رحيله.
أحاطت الملابسات الغريبة بحدث الإطلاق ومنها إصدار أحد ضباط حفتر قرارا بحلّ الكتيبة بعد يومين من إخلائها سبيل سيف الإسلام، كما لو أن وظيفة تلك الكتيبة كانت مرتبطة بالحفاظ على حياة القذافي الابن إلى أن يحين الوقت لإطلاقه فيصدر القرار بحلها ويُطلق سراح عناصرها ليمرحوا في الأرض ولتتفرق دماء الليبيين القتلى والمعتقلين والمعذّبين الذين كان المذكور مسؤولاً عنها وتمتصها رمال الصحراء، وتضيع الأحكام التي صدرت بحقّه، ومنها حكم غيابي بالإعدام صدر في شهر تموز/يوليو 2015 بتهم بينها قتل محتجين أثناء ثورة 2011، وإساءة استخدام السلطة، كما أنه مطلوب من المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي لمحاكمته بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية إبان الثورة.
يفضح الحدث، بداية، العلاقة العضوية بين نظام القذافي وأبنائه والجنرال الطامح لخلافته، فحفتر الذي كان مقرّباً للقذافي ثم اختلف معه على خلفيّة التدخل العسكري الليبي في تشاد، فيذهب للخارج لعرض خدماته وليصبح ضابطاً «معارضاً» محسوباً على الولايات المتحدة الأمريكية، ثم يرجع بعد الثورة حاملاً برنامج القذافي نفسه، الذي يستند إلى احتقار شديد لهويّة المجتمع وثقافته، وكراهية شديدة لتيارات الإسلام السياسي كافّة، ليجد سوقاً فورية لذلك ورعاة إقليميين له في مصر والإمارات وبعض الدول الغربية.
وإذا كان الهوى الأيديولوجي للجنرال الطامح للسيطرة على ليبيا لا يستطيع وحده أن يفسّر إطلاق سراح سيف الإسلام، فمن الممكن أن يكون هناك علاقة لما حصل بقرار أحد المخرجين الإقليميين العديدين للسيناريوهات الليبية، على اعتبار أن سيف الإسلام ورقة مهمّة يمكن توظيفها ضمن التوازنات القبلية والسياسية المعقّدة، كما لا يمكن استبعاد دور لعائلة القذافي وقبيلته، وللثروات المنهوبة من عائلته، التي دفعت فدية واشترت حرّيته.
غير أن كل هذه الاحتمالات ما كان لها أن تتجسد على أرض الواقع من دون «ريموت كونترول» بدأ نشاطه مع إصدار قرار العفو «العام» الذي شمل سيف الإسلام (وعلى الأغلب أن خياطته تمت أصلاً لهذا الغرض)، وانتهى بالسماح لكتيبة «أبو بكر الصديق» بإطلاق سراح المذكور، (وهو قرار أكبر بكثير من قدراتها)، ووصولاً إلى شراء الطريق الآمن لهروب سيف الإسلام إلى جغرافيا تستطيع حمايته.
فتّشوا إذن عن «الكاميرا الخفيّة» للجنرال.