عاشت الأمة العربية تاريخاً دامياً من الصراعات والانقسامات الحادة في العقود الأخيرة، التي عمّقت جراح المواطن العربي وزادته وحشة وغربةً وشتات، المواطن العربي في الجزيرة العربية على وجه التحديد الذي يعود غصنه إلى جذع واحد ولغة وديانة واحدة وتاريخ مشترك، هذه الصراعات والانقسامات لم تصب إلا في خانة الأعداء ولم يجنِ منها المواطن العربي إلا مزيدا من الحيرة والتيه والضياع.
وعلى الرغم من الحدود الفاصلة بين القبائل العربية المقسّمة بين دول الجزيرة، إلا أنها كسرت الحدود المصطنعة بينها ولازالت تتواصل وتتزاوج وتتزاور على الدوام مشكلة جسراً من المحبة والوئام بين الدول الشقيقة والجارة، ومهما ادلهمت خطوب الزمان وهاجت أمواج السياسة واختلفت الأنظمة الحاكمة إلا أن الشعوب تحن إلى بعضها حنين الناقة للولد والجذع إلى فرعه المقطوع.
الحالة الاستثنائية التي تعيشها دول القرابة والنسب والصهر السعودية وقطر جديرة بالدعم المعنوي والإعلامي الحاني للوفاق وتجاوز أسباب الخلاف، لأن السعودية بحكم سلطتها الدينية وسعة صدرها الذي يعكس سعة رقعتها الجغرافية وعديد شعبها يمثلان دوماً روح الأبوة والأخوة لدولة قطر، الأهل والخلان والأحبة لكل شعوب الجزيرة.
لم نعد بحاجة إلى مزيد من التنائي والشقاق والفرقة والبُعاد، وتعميق الهوة التي زرعها أعداء الأمة بيننا، بهدف السعي إلى فرض هيمنتهم ونفوذهم، وهو العامل القديم المتجدد، والذي يبرز على الدوام في خطاباتهم التي تتحدث عن حقيقة أطماعهم بوضوح وتنشر علناً وفي وضح النهار أطماع بإيران الفرس القريبة ودول الغرب البعيدة.
عندما بدأ هرقل قيصر الروم يهدد حدود الدولة الإسلامية من قِبل حدود الشام، أثناء حروب الفتنة بين على ومعاوية والذي أراد استغلال حربهم البينية وغزو البلاد كتب إليه معاوية قائلاً والله لأجتمعن أنا وابن عمي علي بن أبي طالب عليك ونأتيك بجيشٍ واحد، فالحذر الحذر.
ما إن يحدث أدنى خلاف بين العرب عموما وفي الجزيرة خصوصا حتى تطل رأس الأفعى إيران برأسها كي تنفث سمومها في جسد الأمة الواحد مدمرة بنيته التحتية ونسيجه الاجتماعي كُرهاً للعرب، عرقاً وتاريخاً ودين، وتنشر ذلك الكره بطريقة ممنهجة علنية بين طلابها ونشئها الشبابي عبر كتبها المدرسية وصحفها الرسمية ومؤسساتها الدينية، وكل من ذهب إلى إيران شعر بذلك الكره ويعود بنفس المفهوم والمعتقد.
وفي مقابلة له قال المفكّر الإيراني البارز الأستاذ بجامعة طهران "صادق زيبا" كلاماً خطيراً خلال مقابلتين أجراهما سابقاً مع أسبوعية "صبح آزادي" الإيرانية، عن نظرة الإيرانيين الفرس تجاه العرب قال " نحن نكره العرب وهم يكرهوننا" واعتبر نظرة الإيرانيين تجاه العرب شاهداً آخر على عنصرية الإيرانيين، مضيفاً "أعتقد أن الكثير من الإيرانيين يكرهون العرب، ولا فرق بين المتدين منهم وغير المتدين".
لم تنشأ ظاهرة الإرهاب المفترضة إن صحت، إلا نتيجةً لأخطاء سياسية فادحة وفي سياقات تاريخية محددة وظهرت وفقاً لبواعث مختلفة سياسية وأمنية واقتصادية دينية ووجدانية، ومن المؤكد أن بعض الأخطاء الدينية في يعض البلدان العربية هي السبب الرئيس لتلك الظاهرة حيث عملت على بلورته وإنضاجه، وكذلك الأنظمة التي لازالت مصرة على منهجية حكمها المخالف للواقع، والمتنافي مع مقتضيات العصر الحديث.
وهنا ينبغي علينا القول أنه لا بد من توقف الضخ الإعلامي ونزع فتائل النزاع التي تُنشر عبر كل وسائل التواصل الاجتماعي والإعلامي إخماداً لنار الفتنة وتجنب المزيد من الاختلاف، وعدم صب مزيداً من الزيت على النار وإتاحة الفرصة القيادات الدولة في كلا البلدين للتوصل إلى حل يرضي ويحقق الأمن ويصون المصالح المشتركة للجميع.
وأخيراً همسة في آذان الأفاعي المستبشرة بالخلاف السعودي القطري أقول لهم لا تفرحوا، واحزنوا على أنفسكم وتحسسوا جراحاتكم التي لا تزال مفتوحة والدماء منها تنزف، ولمزامير الشياطين التي تنفخ أقولُ عزفكم بات عزفاً ممجوجاً ونايكم مشروخاً ولم يعد يطرب، ولن تفلحوا في مراميكم لأن الناس لا شك ستجتمع والمشكلة ستُحل وستعودون إلى خيبتكم من جديد.
المقال خاص بـ "الموقع بوست"